تناقلت وسائل إعلام مؤخرا خبرا مفاده، أن وزير المالية نزار بركة المعروف بكونه واحدا من صقور التوجهات النيوليبرالية المتوحشة في الاقتصاد اعترف في عرض له أمام رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين زوال السبت 26 ماي الماضي بالدارالبيضاء بأن تطور الثروة في المغرب لم يستفد منه إلا فئة قليلة وأن المغرب يعيش جراء ذلك فوراق اجتماعية مهولة وكل ذلك – تضيف نفس وسائل الإعلام- دون أن يشير إلى أن الأغنياء هم الذين تضاعفت ثرواتهم والفقراء ازدادوا فقرا بسبب السياسات الاقتصادية المتعاقبة منذ عقود ومنها سياسة الحزب الذي ينتمي إليه والمبنية على ما يسمى «التعادلية».. في نفس اللقاء السالف الذكر، قال بركة إن «الطبقة الوسطى لم تستفد»، دون أن يذكر أن فئات عريضة منها غالبا ما كانت هي الفئات المتنورة سحقت لعقود بعد مطالبتها بالحرية والديمقراطية وعانت من الاعتقالات والمنفى وسنوات الجمر والرصاص!. ودائما في ظل حكومات قادها أو شارك فيها بقوة الحزب الذي ينتمي إليها بركة.. وختم الوزير بالقول إن «الخيار التعادلي» مرجعية الحزب المستمدة من تنظيرات مؤسسه علال الفاسي، يحتفظ براهنيته لأنه حسب تعبيره مرتبط بالديمقراطية الحقة واستكمال الاستقلال السياسي وتحقيق تكافؤ الفرص بين فئات المجتمع ! يذكرني هذا الخروج الإعلامي بخروج شهير آخر وقع منذ حوالي سنتين.. ففي رمضان سنة 2010، أدلى الوزير الأول آنذاك عباس الفاسي بتصريحات أقل ما يقال عنها إنها غريبة جدا عن حزب هو حزب الاستقلال مشهور بمهادنته السياسية.. إن ما أثارني في تصريحات عباس الفاسي خلال لقائه مع «مناضلي» حزبه بمدينة الدارالبيضاء ليست فقط «ثوريتها»، ولكن أيضا كونها سارت في نفس اتجاه التقارير الدولية التي تم نشرها في ذلك الوقت و التي فضحت المؤشرات المتردية ل«التنمية» ببلادنا، وهي التقارير -يا للعجب- التي انتقدتها بشدة الحكومة التي كان يترأسها نفس الوزير الذي تبنى خطوطها في ذلكم اللقاء الرمضاني البيضاوي العجيب ! ماذا نفهم من هاتين الواقعتين وغيرهما مما يحبل به حقلنا السياسي؟ أن السياسي المغربي (بركة، الفاسي…) ينتج ما يحلو له من تصريحات حتى وهو يعلم علم اليقين أن هذه التصريحات تزيد من تعميق القطيعة التاريخية – الخطيرة جدا على أي بلد- بين العالم السياسي و العالم المدني.. فيما يشكل نوعا من الاستهتار القبيح بالبلاد و المستقبل و كل شيء أساسي في حياتنا.. في بلاد أخرى – فرنسا مثلا التي تتوفر ضمن مؤسسات فضحية كثيرة على قناة متخصصة في قراءة/تفكيك خطابات وأفعال السياسيين وعلى كل المستويات السياسية والخطابية والبلاغية والتواصلية هي القناة البرلمانية lcp – لايمكن لأي سياسي أن يتفوه بأي شيء، لأنه يعلم جيدا بوجود ما لايعد ولايحصى من السلطات المضادة contre-pouvoirs التي تترصد أدق تفاصيل كلامه وتصرفاته.. أما عندنا، في بلاد «كلشي مزيان ماخايب غير المعقول» فلا حرج أن نقول أي شيء، ونتبنى أي شيء، وندافع عن أي شيء، حتى وإن كان تهريجات مسمومة.. فليس هناك من يهتم.. ولا من يفهم.. ولا من يتكلم.. «فينا هي أسي الخلفي lcp ديالنا، فين»؟؟. [Bookmark and Share]