في آخر جزء من تراب إقليم مديونة باتجاه سيدي حجاج، ترابض دواويرهم هناك خارج الزمان. لا طريق إلى هناك، بل انبساط أرضي، جزء منه قومته الطبيعة بنتوءاتها الطبيعية الوعرة، وجزء آخر انخرط فيه محسنون مجهولون، ليتمكن السكان من ولوج منازلهم. فالطريق الرئيسية الرابطة بين مديونة وسيدي حجاج تنتهي على بعد مئات الأمتار بعيدا من فضائهم. لا مستشفى هنا، لا مرافق اجتماعية، لا متنفس من أي نوع ولا إنارة عمومية ... وقبل كل ذلك لا ماء هناك. ‘‘ لا مطالب سياسية لنا. لا نريد تغييرا جذريا لأي شيء. ولا يعنينا ربيع سياسي ولا خريف ولا صيف... نريد الماء لصالح للشرب، ونريد الإنارة العمومية لكي لا تنتهي الحياة اليومية عندنا بمجرد انطفاء ضوء الشمس‘‘ بهذه البساطة العميقة والمعبرة، استقبلنا سكان ملك دوار لكراكر، واحد من عشرات الدواوير المنتشرة في منطقة ولاد بوعزيز. الملك، أو الدوار، المنبسط على مساحة 25 آر و6 سنتيارات ويشتمل على أرض فلاحية، كما تنص على ذلك وثائق الوكالة الوطنية للمحافطة العقارية والمسح والخرائطية في سيدي عثمان، يعود لملكية مشتركة مشاعية تقسم على ثماني أشخاص. الرسم العقاري المحدد للملك يحمل الرقم ب 944258 ، وحسب المطلب رقم 49 / 242 فإنه يتابع من أجل العديد من التعرضات العقارية، بلغ مجملها 14 تعرضا منذ سنة 2006 وإلى اليوم. هذا في الأوراق الرسمية. في حديث الناس، ملك الدوار يعود لورثة معزوز الذين حازوا الملكية في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ثم باعوا لعموم السكان المتواجدين حاليا في المكان ابتداء من التسعينيات ... تاريخ بداية معاناة تتواصل إلى اليوم. الماء ... أصل المشكلة حكايات الماء في هذا الدوار ترتبط بأحداث ووقائع غريبة، فاضحة وصادمة، أكيد أن التحقق من صحة رواياتها تتطلب تقاطعا للتصريحات من كل مكان، غير أنها حين جاءت على لسان المتضررين مباشرة حملت من القوة ما جعلنا لا نمر عليها مرور الكرام. الدوار بمساكنه ال26 لا يرتبط بشبكة الماء الصالح لشرب ولا يتوفر على أية بنية تحتية للصرف الصحي. المفارقة هي أنك حين تتجول في هذا الدوار، وبعض الدواوير المجاورة أيضا، تعثر هنا وهناك على بالوعات للمياه وضعها المكتب الوطني للصالح للشرب في المكان إيذانا بشروع التزويد. لا يتوقف الحديث عن الماء عندما تصادف ناس المكان، وبكلمات معبرة يصيغون عباراتهم التي تتسائل باستمرار عن إقصائهم من هذا الحق، بالرغم من أن مشروع تزويد العالم القروي بالماء مشروع وطني انخرط فيه المغرب منذ عقد من الزمن تقريبا، ووصل الماء إلى إقاصي المغرب. غير أن هناك بيتا واحدا في هذا الدوار يوجد به ماء. بيتحسن عريس، رئيس جمعية محلية وأحد الناشطين في مجال حقوق الانسان. حسن أكد للجريدة أن رئيس الجماعة الحالي، ودرءا لإزعاجه المتكرر بخصوص حق الناس في الحصول على الماء، قام برشوته لضمان سكوته وتراجعه عن الدفاع عن جيرانه بهذه الطريقة : ‘‘ ندخل ليك الما وتهنيني من الصداع ‘‘. حسن عريس أمد الأحداث المغربية بصورة لرخصة الربط بالماء الصالح للشرب الخاصة به الصادرة تحت عدد 2011/ 664 ك ع / م . ت، وتفيد بان الربط جاء بناء على الاتفاقية 128ef/ DRC/08 الصادرة بتاريخ 10 يونيو 2008 المبرمة بين جماعة سيدي حجاج واد حصار والمكتب الوطني الصالح للشرب بشان تزويد الدواوير التابعة للجماعة بالماء الصالح للشرب وتسيير هذا المرفق من طرف المكتب. الاتفاقية إذن تنص على تزويد الجميع ... وليس منزل عريس فقط . فأين المشكل يا ترى ؟ حكاية 86 ألف ريال !! التوصيل بشبكة الماء الصالح للشرب في دوار لكراكر و دواوير أخرى في جماعة سيدي حجاج يساوي 86 ألف ريال لكل عداد ... مبلغ يثير الكثير من التساؤلات في أوساط الساكنة مع العلم أن المكتب الوطني للصالح للشرب، يؤكد أن مبلغ التوصيل بالشبكة بالنسبة للعالم القروي في جميع أنحاء المغرب لا يجب أن يتجاوز 800 درهم أو 16 ألف ريال. المبلغ الذي قررته جماعة سيدي حجاج كشرط لتزويد السكان بالماء، يعتبر مبلغا تعجيزيا إذا ما علمنا أن غالبية السكان لا يتوفرون على مدخول قار ويمكن اعتبارهم من فئة اجتماعية محدودة الدخل. المبرر الذي ساقته الجماعة، دائما حسب السكان في حديثهم للأحداث المغربية لا يقل غرابة. فقد قيل لهم بأن ارتفاع المبلغ يخص السكان الراغبين في الربط بالشبكة ممن لا يستفيدون من ‘‘ شاطو ‘‘ الماء القريب. للإشارة فقط يوجد في تراب الدوار نوعين فقط من هذه الحاويات الخاصة بالمياه، وكلتاهما لا تمد الدوار بالمياه. في المقابل، قالت الجماعة بأن المستفيدين هم من عليهم أداء ال800 درهم ... لمأساة الماء فصل آخر لا يخلو من خطورة. فحسب السكان الذين التقهم الأحداث المغربية هنا، قام رئيس الجماعة الحالي بحملهم على إمضاء رخص الربط بالماء الصالح للشرب قبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث وعدهم بالاشتراك الفعلي في الشبك مباشرة بعد الانتخابات. حسب رواية السكان دائما، و في مشهد يقترب من حيل سينما الكوميديا السوداء، جمعهم في ساحة بالدوار وطلب من كل صاحب بيت التوقيع على الرخصة، ثم قام بجمع كل الرخص في نهاية المشهد. وإلى اليوم مازال الناس ينتظرون عودة العقود وصبيب صنابير المياه ... هنا والآن. الإنارة ... قصة أخرى ليلا، لاتوجد إنارة عمومية في دوار لكراكر وفي كثير غيره من الدواوير المجاورة، بالرغم من وجود أعمدة كهربائية وأسلاك طاقية من مختلف الأحجام والقدرات في كل مكان هناك. الأغرب في حكاية الدوار مع الإنارة العمومية التي لم تأت يوما، أن السكان يمرون يوميا بأول عمود كهربائي وقد دون عليه تاريخ وضعه هناك : 15 غشت 1999. ثلاثة عشر سنة بعد هذا التاريخ، مازال السكان يعيدون نفس السؤال : إلى متى العيش في الظلام الدامس خارج البيوت مع مغيب كل شمس ؟ ليلا، تتواصل الساكنة عبر مصابيح يدوية إما للتأشير على الخطر في حالة الارتياب من وجود غريب، أو لتمرير رسائل مشفرة بينهم قصد التواصل. «غياب الإنارة العمومية يشجع اللصوص على التربص بنا، خصوصا في فترة العيد الكبير بما أن بعض السكان يعتاشون من تربية الماشية» الكلام لأحمد، ساكن بالدوار تعرض للسرقة قبل العيد الأضحى الأخير، وسلب منه اللصوص في ليل الدوار شديد السواد، بقرتين وعجلتين. خسارة كبيرة لفلاح تعود على الاسترزاق من عائدات الماشية. «ولأن اللي عضو الحنش كيخاف من القنب» يضيف أحمد « فقد قررنا الاستعانة بمصابيح كهربائية جهزناها من مالنا الخاص لإنارة المنطقة حول البيت والحوش، هذا في وقت ألزمنا فيه بأداء مبلغ 50 درهم شهريا في رسوم الفاتورة الكهربائية الشهرية للمنزل !!!». أحد تقدم بشكاية لسرية الدرك الملكي بتيط مليل منذ التاريخ، وإلى وقت كتابة هذه الأسطر، لم يظهر مقترفو السرقة. الإنارة المنزلية تقريبا معممة، ومحصل فواتير النور يمر في نهاية كل سنة من أجل استرداد مال المكتب الوطني للكهرباء. بنهاية السنة غالبا ما تتجاوز الفواتير القدرة المالية للساكنة، «وهناك من يضطر لبيع أغراضه المنزلية لمواجهتها» يؤكد فاعل جمعوي. وعلى الرغم من هذا التعميم، فبعض البيوت بالدوار مازالت خارج القائمة لأسباب أو أخرى، منها ما هو مرتبط برفض جماعة سيدي حجاج منح تراخيص الربط بالكهرباء، ومنها ما يقع تحت طائلة «الشانطاج» كما يؤكد المواطن أحمد مصلي. أحمد مصلي، شيخ في السبعين من العمر لم يحظ ب«شرف» الحصول على الكهرباء في بيته إسوة بباقي سكان الدوار، دون سبب واضح. في شكاية خص بها الأحداث المغربية، اتهم مصلي مسؤولا سابقا بجماعة سيدي حجاج بمطالبته بالتخلي عن دعوى في قضية ترامي على ملك أرضي ضد جاره، مقابل الحصول على ترخيص الربط بشبكة الكهرباء المنزلية فورا !! أحمد مصلي، أكد للجريدة بأن الجار، المدعوم من طرف المسؤول الجماعي السابق، كان قد استولى على جزء من أرضه، بعدما اشترى أرضا مجاورة قبل سنوات. قضايا عالقة ... على الرغم من توفرهم على شهادات الملكية الخاصة بالبيوت والأراضي، وعلى الرغم من إقامتهم بالدوار لعقود خلت، إلا أن ساكنة المكان تصطدم بعراقيل إدارية، عند كل محاولة لاستصدار الوثائق الإدارية، أو عند التقدم بطلبات لجماعة سيدي حجاج من أجل الحصول على رخص البناء أو الترميم. «الجماعة غالبا ما تتعذر بأن الدوار بناء عشوائي ... !!» يستغرب كل من استقت الأحداث المغربية رأيهم في الموضوع. كما أن جماعة سيدي حجاج تطالبهم في كل مرة باستصدار تصاميم جديدة في كل مرة يتقدمون إليها بهذه الطلبات. بالنسبة لمجموع سكان دوار لكراكر الأمر محسوم، إذ لا يمكن اعتبار بنايات الدوار عشوائية لأنها ببساطة بنيت في غالبيتها في فترة زمنية تسبق وجود جماعة سيدي حجاج نفسها ! موضوع «شاطوهات» المياه كما هو متعارف عليه باللفظ المحلي، أو حاويات المياه، قضية أخرى تنتظر إجابات شافية. حسب رواية السكان المحليين، توجد في أرض رئيس الجماعة وحدتين من هذه الحاويات. حسب روايتهم أيضا، فالساكنة الجديدة التي اشترت قطعا من أرض رئيس الجماعة تحظى بمعاملة خاصة من طرف الجماعة، حيث حصلت على ترخيص للاستفادة من مياه أحد هذه المواقع المائية، في وقت يستثنى باقي الدوار من هذه الاستفادة. تخلو المنطقة من أشكال الحياة العامة التي يمكن أن يستفيد منها الشباب والأطفال خصوصا. لا مرفق اجتماعي، لا دار شباب، لا حضانة، لا نادي نسوي. الطريق التي يسلكها الصغار والأطفال إلى مدرسة الفاسيين الابتدائية بدوار الفاسيين القريب تمتد لقرابة الثلاث كيلومترات، وقد تقطع في اليوم أربع مرات. نصف الطريق غير معبد، وكل طلبات الحصول على نقل مدرسي خاص أو عمومي لنقل الصغار، ووجهت بالرفض.