قبيل افتتاح المؤتمر الوطني الخامس لحزب “التجمع الوطني للأحرار” عشية الجمعة المنصرمة, كان الحديث كله, داخل القاعة المغطاة للأمير مولاي عبد الله بالرباط, يدور حول شخص واحد: “مزوار راجل مزيان وقام بعمل ممتاز في المالية لكنه لم يقدم أي شيء للحزب وقلت له أن لا يترشح مرة أخرى” يقول أحد الوجوه البارزة في حزب الأحرار . رغم ذلك يستدرك بوعيدة: “لكننا سنصوت لمزوار فليس هناك منافس آخر له”. كلام بوعيدة عكسته الصورة التي جاهد صلاح الدين مزوار, من خلال تحركات المكتب التنفيذي في آخر اللحظات لإخراجها أمام أكثر من 2000 مؤتمر. جنبا إلى جنب, رئيس الحزب الحالي وسلفه المطاح به مصطفى المنصوري كان يجلسان وكأن جبل الجليد من الخلافات التي كانت بينهما ذاب في رمشة عين, عند افتتاح المؤتمر, لتترك مكانها للابتاسامات العريضة التي علت محياهما. فلولا التفاهمات التي سبقت انعقاد المؤتمر بين أبرز أقطابه لما تم إعادة انتخاب مزوار في وقت متأخر من فجر يوم أمس بأغلبية بلغت 1928 صوتا مقابل 115 لمنافسه: “سأنتخب مزوار لكن لو كان الاختيار بين مزوار والمنصوري كنت لأصوت للمنصوري” يشرح أحد أعضاء المجلس الوطني من تاونات. الكلام الأخير ردده أكثر من مؤتمر وهو ما ظهر في التصفيقات الحارة التي رافقت كلمة مزوار حين أتى على ذكر الرؤساء السابقين للحزب أحمد عصمان المؤسس وأبرز الغائبين, وما إن نطق باسم مصطفى المنصوري حتى غرقت القاعة المغطاة لمركب الأمير مولاي عبد الله بالتهليل للرئيس السابق لمدة غير قصيرة لم يجد معها بعض مناصري مزوار المنتفضين, على قلتهم, غير الهتاف: “الأحرار حزبنا ومزوار رئيسنا”. هوية الحزب...”لا رأي لك وحدك, الرأي للجماعة” المقولة للقيادي المعطي بنقدور الذي انبرى لتسيير الجلسة بعد انسحاب أعضاء المكتب التنفيذي من المنصة عشية اليوم الثاني من أشغال المؤتمر. ما إن بدأ مقرر اللجنة المالية قراءة ملخص لأشغال اللجنة المالية دون إعطاء رقم عن مالية الحزب حتى تعالت بعض الأصوات مطالبة بمناقشة الأمر وإعطاء التفاصيل بالأرقام وهو ما قوبل برفض مجموعات أخرى ليغلب الطرف الثاني بهتافاتهم على الطرف الأول. هل جئنا لنأكل ونستمع ألا يجب أن نناقش التقارير؟” يقول أحد الداعين لفتح باب المناقشة. لكن أمام ضعف صوته أمام الأكثرية التي رفعت عقيرتها بالصراخ لرفض الأمر جعل مسير المؤتمر المعطي بنقدور ينتهز الفرصة لوضع حد لإمكانية فتح باب النقاش: “لا رأي لك وحدك, الرأي للجماعة...لا رأي لك وحد الرأي للجماعة”, لينتهي الأمر بالتصفيق والمرور لنقطة أخرى. لجنة السياسات التي ترأسها البرلماني عبد الرحيم الطور آثرت الإبقاء على هوية الحزب كما هي المتمثلة في الديمقراطية الاجتماعية, رغم أن كلمة رئيس حزب الحمامة الافتتاحية أشارت إلى: “وجود تيارين بالمغرب تيار جانح للمحافظة والتقليد وآخر حداثي” يقول مزوار في إشارة للحكومة الحالية التي يقودها “العدالة والتنمية” وفي حضور أمينها العام عبد الإله ابن كيران وجل الأمناء العامين لباقي الأحزاب المغربية أو ممثلين عنهم. لكن اللافت للانتباه هو طغيان الزوار الأجانب من التيارات اليسارية وهو ما تساءل بشأنه أكثر من مؤتمر: “هل التجمع أصبح حزبا يساريا؟”. على الأقل علق أحد أعضاء المجلس الوطني بكون الحزب: “صار تقدميا” في إشارة لتعريف الحزب الذي ورد في الوثيقة المذهبية. لجنة القوانين تحد من صلاحيات مزوار من بين اللجان الأربع المشكلة لم تستأثر لجنة بالنقاش كما كان حال لجنة القوانين. من البداية, في ليلة الجمعة سيقضي أعضاؤها ساعات طويلة وهم يناقشون بنود القانون الداخلي للحزب وما يستوجب مراجعته. حدة النقاش وصلت حد التشابك بالأيدي في بعض الأحيان, لكن قرار خروج الحزب لأول مرة للمعارضة في تاريخه ألقى بظلاله على أشغال اللجنة. “المادة 33 عرفت نقاشا حادا لتفضي المناقشات إلى ضرورة الرجوع للمجلس الوطني من أجل التحالفات الحزبية” يقول أحمد الزاهيدي, مقرر اللجنة القانونية في إشارة لخروج الحزب بقرار منفرد من مزوار وباقي أعضاء المكتب التنفيذي. مع توالي الساعات يوم السبت دون تقدم كبير لأشغال اللجنة القانونية ستتوتر الأمور ليهرع المنظمون بين الفينة والأخرى باتجاه القاعة التي تعقد فيها أشغال أكثر لجنة جلبت الاهتمام. حتى الساعة 7 مساء, كان يأخذ الكلمة صلاح الدين مزوار أو أنيس بيرو ليطلب من المؤتمرين مزيدا من الصبر. لكن الأجواء أمام قاعة لجنة القوانين كانت تشتد سخونة لتتوقف نقاشاتها عند الفصل 36: “بين من كان يقول بضرورة فرض شروط معينة على من يريد الترشح لعضوية المكتب التنفيذي وبين من يدعو للترشح دون شروط” يشرح الزاهيدي. تدخل مزوار شخصيا لدى أعضاء اللجنة القانونية وضع حدا للنقاش بعرض أشغالها على المؤتمرين بما توصلت إليه وتوقفها عند الفصل 36. لكن حديث العارفين بخبايا الأمور داخل الحزب استنكروا تمرير الفصل 36 القاضي بعضوية المكتب التنفيذي بدون شروط: “لا يعقل أن يأتي شخص انتسب للحزب أمس ويصبح اليوم عضوا بالمكتب التنفيذي يجب أن تكون له على الأقل ولاية واحدة بالمجلس الوطني” يقول أحد الذين قضوا عشرين عاما بالحزب والذي يرى في تمرير الأمر بهذه الطريقة: “خدمة لبعض أعضاء المكتب التنفيذي الحاليين الذين اكتسبوا العضوية بالصفة لكونهم كانوا مستوزرين باسم “التجمع” على غرار منصف بلخياط وأمينة بنخضرة”. كما أن غلبة الداعين لعدم فرض شروط على الترشح لعضوية المكتب التنفيذي ساهم فيه بعض مناصري البرلمانيين الجدد الذين التحقوا بالحزب قبيل الانتخابات الأخيرة. الساسي في مواجهة مزوار للمرة الثانية “ماذا نفعل قبلنا ترشيحه رغم أنه لا يستوفي الشروط وكنا نود أن يكون أكثر من مرشح ولكن لا أحد من المكتب التنفيذي أراد الترشح” تقول نعيمة فرح, عضو المكتب التنفيذي وبرلمانية عن الحزب. كلام فرح عن رفض أعضاء المكتب التنفيذي الترشح لمواجهة مزوار هو ما جعل المحامي الشاب رشيد الساسي ينتفض للمرة الثانية على غرار المرة الأولى سنة 2009 حين انتقد المرشح الوحيد, في مراكش, رغم معرفته بانعدام حظوظه: “ما يهمني هو الديمقراطية الداخلية” يقول الساسي الذي كان يتحرك في القاعة ولا يجد أمامه سوى “ارحل” من الكثير من المؤتمرين. الترتيبات التي حرص أعضاء المكتب التنفيذي على تنزيلها شملت البدء بانتخاب الرئيس أولا قبل انتخاب أو المصادقة على لائحة معدة سلفا لأعضاء المجلس الوطني 800: “طبعا انتخاب الرئيس أولا قبل المجلس الوطني له ميزة تجنب الغاضبين الذي يمكن أن لا يكونوا داخله, فاللائحة المعدة لا يعرفها إلا المنسقون فمنهم من قام بانتخابات ومنهم من قام بالتعيين فقط حسب الكوطا المخصصة لكل إقليم” يقول أحد المنسقين الجهويين عن إقليمتارودانت. في الساعات الأولى من يوم أمس الأحد, بعدما نال التعب من الكثير من المؤتمرين ومع ضمان مزوار للرئاسة بأقل الخسائر, بحصده ل أ كنت المصادقة على أعضاء المجلس الوطني 800 التي كانت الأخبار تتسرب كونها معدة مسبقا من طرف المنسقين لتمر بالتصفيق. “الجنرالات” في خطر الكثيرون من داخل الحزب يرقبون الصعاب التي ستواجه الحزب عند انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي خلال الأسابيع القادمة: “مستحيل إرضاء الجميع هناك 16 مقعدا محجوزة باسم النساء والشباب بسبب الكوطا التي ستخصص لهم ليبقى فقط 14 مقعدا سيقع حولها معارك كبيرة” يشرح أحد أعضاء المجلس الوطني. لكن رأي قيادي آخر بالحزب يرى أن الأمر سيتم بتوافقات قبلية ترضي “الجنرالات” وباقي الأقطاب في محاولة لإخراج صورة ناصعة نوعا ما للعموم عن مآل أشغال مؤتمر خامس كان شعاره “مغرب الثقة والمبادرة”. مصطفى بوركبة