أصبحت العملة المشفرة الرائدة "بتكوين" (bitcoin) مؤخرا محط اهتمام الشركات الكبرى والأفراد على حد سواء، مقابل تراجع سعر الذهب بشكل مطرد منذ بداية العام، فهل يمكن للبتكوين أن تصبح ملاذا آمنا مثل الذهب؟ في تقرير نشرته صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، تساءلت ماريون هيلمان عما إذا كانت بتكوين أقرب إلى الريادة من الذهب، ومن المتوقع أن يؤدي التراجع الأخير في سعر العملة المشفرة، بعد وصولها إلى مستويات قياسية الأسبوع الماضي، إلى تبديد آمال المستثمرين الذين ظنوا أنها يمكن أن تكون الملاذ الآمن الجديد تماما مثل الذهب. اكتسبت هذه الفرضية شعبية الأسابيع الأخيرة، خاصة بعد إعلان شركة "تسلا" (Tesla) عن استثمار 1.5 مليار دولار في البتكوين، وهي خطوة تعكس الاهتمام المتزايد الذي حظيت به هذه العملة من قبل الشركات، كما أبدت كل من شركة "بلاك روك" (BlackRock) و"باي بال" (PayPal) و"ماستركارد" (Mastercard) الدولية اهتماما بهذه العملة، في الوقت الذي أعلنت فيه شركة "جي بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase) أنها تدرس مسألة الاستثمار فيها، كما توافد العديد من الأفراد على منصات التداول مثل "روبن هود" (Robinhood) لشراء العملات المشفرة. أدى هذا الإقبال إلى تضاعف سعر البتكوين 4 مرات عام 2020، مع تسجيل زيادة بنسبة 70% منذ بداية العام لتناهز قيمتها 48 ألفا و315 دولارا، وقد تجاوزت القيمة السوقية تريليون دولار الأسبوع الماضي، وحسب ما صرح به الخبراء الإستراتيجيون ل "جي بي مورغان" أوائل كانون الثاني فإن "المنافسة بين بتكوين والذهب قد بدأت بالفعل أمام أعيننا". تراجع سعر الذهب بشكل مستمر منذ بداية العام ليسجل أسوأ أداء لجميع السلع التي تشكل مؤشر بلومبيرغ (Bloomberg) القياسي، وعلى عكس العام الماضي، شهد سعر الذهب ارتفاعا حادا وكان الملاذ الآمن في سياق الأزمة الصحية وانخفاض نسبة الفائدة، لكن سعره انخفض مجددا بسبب المقاومة المفاجئة للدولار وارتفاع عوائد السندات الحكومية الأميركية. في تدوينة له على تويتر، أعرب أحد مؤسسي شركة صناديق الاستثمار المشترك الملياردير جيفري جوندلاش، الذي كان لسنوات من أشد المدافعين عن الذهب، أنه غير رأيه وبات يفضل الاستثمار في البتكوين. أوضحت الكاتبة أن الخوف من عودة التضخم وتراجع قيمة العملات التقليدية، بالإضافة إلى تقلب سعر الدولار، جعل من البتكوين ملاذا آمنا للكثير من المستثمرين. ومن جهته، يرى كريستيان باريسو كبير الاقتصاديين في شركة "أورال بي جي سي" Aurel BGC) أن "البتكوين ذهب جيل الألفية" مؤكدا أن الاثنتين تجمعهما قواسم مشتركة تتمثل في الندرة والأمن والافتقار إلى القيمة الأساسية أيضا، ذلك أن قيمتهما تعتمد على ثقة المستثمرين. رغم إطلاق أنصار العملة المشفرة على البتكوين اسم "الذهب الرقمي" إلا أن قيمتها السوقية لا تزال بعيدة عن القيمة الإجمالية لاستثمارات القطاع الخاص في الذهب، ولتصبح كذلك: يجب أن يصل سعرها إلى 146 ألف دولار على المدى الطويل وفقا ل "جي بي مورغان". ويرى باريسو أن ما يغذي ارتفاع سعر البتكوين الوقت الحالي هو عدم الثقة في البنوك المركزية، والاعتقاد بأن البتكوين يمكن أن تصبح عملة في حد ذاتها، ولكنه لا يعتقد أن هذا سيناريو قابل للتحقق بسبب التكنولوجيا المرتبطة بالعملة المشفرة التي تتطلب الكثير من الوقت والطاقة لإجراء أدنى معاملة، وقد بدأت بعض المؤسسات الاهتمام بعملة البتكوين، غير أن رهاناتها لا تقارن برهانات الصناديق الكبيرة للتأمين أو التقاعد المستثمرة في الذهب. فضلا عن ذلك، لا يزال تقلب سعر البتكوين يمثل مشكلة رئيسية، ولعل ذلك ما تكشفه التحركات غير المنتظمة الأخيرة، ووفقا لما قاله محللو "جي بي مورغان" الأسبوع الماضي فإن "نسبة تقلب البتكوين وصلت خلال الأشهر الأخيرة إلى 87%، مقابل 16% للذهب". في تاريخها القصير، شهدت هذه العملة المشفرة فترات من الازدهار ومن تدني القيمة، لكن هذا ليس حال الذهب الذي تشهد أسعاره أيضا تقلبات لكن بنسب مختلفة نظرا لأن السوق أكثر نضجا. وخلصت الكاتبة إلى أن الخطر يظل قائما، دائما، في استبدال عملة بتكوين بعملة مشفرة أخرى، سواء كانت عملة ليبرا من فيسبوك أو عملة مشفرة مدعومة من قبل بنك مركزي.