شرعت الجامعات تباعا في برمجة امتحانات الدورة الخريفية للموسم الجامعي الحالي، وقد اختارت مؤسسات كثيرة صيغة الامتحانات الحضورية، دون توفير الظروف التي تؤهل هذه الامتحانات للقيام بأدوارها التقويمية، وفي مقدمتها المبدأ المؤسس لكل عملية تقويمية، وهو مبدأ : تكافؤ الفرص، الذي يقتضي في ظروف الجائحة وحالة الطوارئ الصحية مراعاة الظروف الاجتماعية لعموم الطلبة، والتي تكون لها انعكاسات نفسية تؤثر على مخرجات عمليات التقويم المختلفة. ففي الكثير من الجامعات يكاد عدد الطلبة القادمين من مناطق خارج المدن التي تحتضن المؤسسات الجامعية يعادل عدد الطلبة القاطنين بتلك المدن، وأحيانا بفوفهم.، وينحدر أغلبهم من أوساط اجتماعية هشة، بحيث لا سبيل لهم لتحصيل إمكانيات تسمح لهم بتدبير السكن خلال أيام الامتحانات ، في ظل الاستمرار في إغلاق الأحياء الجامعية. لنتصور حال طالبات وطلبة لم يعد لهم أي خيار سوى المبيت في الشوارع أو المحطات الطرقية أو الاعتصام الليلي داخل المؤسسات الجامعية. إن هذا السيناريو المفترض للأسف سيتحول لواقع إذا لم يتم التدخل العاجل لإيجاد حلول واقعية ومنصفة ومقبولة. إن إجراء الامتحانات بالصيغة الحضورية في طل هذا الاحتقان سينسف كل المجهودات البيداغوجية والإدارية التي قام بها الأساتذة بالجامعات والإداريون لتأمين الاستمرارية البيداغوجية والتكوينية والبحثية رغم كل الإكراهات المرتبطة بتداعيات الحالة الوبائية. الأمر الذي يطرح سؤالا يتهرب من الإجابة عنه المسؤولون الحكوميون والوزاريون الذي لهم ارتباط مباشر أو غير مباشر بتدبير شؤون التعليم العالي، وهو: ما السر في التمييز الحاصل في التعامل مع طلبة المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، مقارنة مع زملائهم في المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود فيما يخص توفير خدمات الإيواء والمطعمة؟ مع العلم أن قصدنا هو الوصول إلى تكافؤ الفرص بين عموم الطلبة فيما يخص هذه الاستفادة، وليس مساواتهم في عدم الاستفادة. وإذا كان يمكن تجاوزا تفهم لجوء الوزارة الوصية على تأمين خدمات الإيواء والمطعمة بالنسبة لطلبة الأقسام التحضيرية والمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح بسبب طبيعة التكوينات في هذه المؤسسات التي تغلب عليها دروس الأشغال التطبيقية والتجارب المختبرية وما شابهها، فكيف يمكن تفهم إقصاء طلبة كليات العلوم مثلا الذين بدورهم يعتمد تكوينهم على أشغال المختبر والأشغال التطبيقية؟ وكيف يمكن استساغة فتح الإقامات الجامعية الخاصة المؤدى عنها، في نفس شروط الإيواء بها السابقة على جائحة كورونا؟ ليس من توصيف لهذه التناقضات سوى ممارسة تمييز ضد أبناء الطبقات الفقيرة وذات الدخل المحدود. لقد سبق للجامعات وبتعاون مع مسؤولي وزارة الداخلية في العمالات والأقاليم أن أمنت إجراء الامتحانات الحضورية الخاصة بالدورة الاستدراكية الربيعية للموسم الجامعي الفارط في مراكز امتحانات للقرب، وهي العملية نفسها التي تم القيام بها أثناء مباريات ولوج كليات الطب والصيدلة. ما السبب في التراجع عن هذه الصيغة المقبولة؟ وهل وفرت الوزارة وسائل النقل للطلبة في ظل محدوديتها بسبب التدابير الاحترازية؟ وهل تم اتخاذ قرار لإعفاء الطلبة من رخص التنقل الاستثنائية خلال فترة الامتحانات ؟ وهل تم توفير خدمات الإيواء والمطعمة خلال هذه المدة؟ هل تعي الوزارة تبعات إجراء الامتحانات بصيغة حضورية عادية في ظل كل هذه الإكراهات؟ سنكون أمام أوضاع غير مقبولة، وأمام مشاهد مخجلة لطلبة يفترشون الأرض ليلا، وسنكون أمام احتمالات مفتوحة قد تصل حدود مقاطعة الامتحانات. وعوض الاستمرار في سياسة صم الآذان، وجعل الطلبة رهينة سماسرة الكراء أثناء الامتحانات، أو دفعهم للمبيت في الشارع أو المحطات الطرقية، أو الاعتصام والمبيت الليلين بالكليات، مما سيخدش الصورة التي روجتها البلاد عن نفسها أثناء الجائحة، ثمة حلول لا تحتاج سوى للحوار والتواضع.. فما الضير من تأجيل الامتحانات لحين توفر ظروف إجرائها في شروط مقبولة؟ أو اعتماد الامتحانات عن بعد ؟ أو إحداث مراكز للقرب لإجراء الامتحانات الحضورية التي ستجنب الطلبة السفر؟ أو تجند الوزارة والجماعات المحلية ورجال السلطة المحلية والانفتاح على المؤسسات الاقتصادية الكبرى من أجل توفير الإيواء للطلبة القادمين من مناطق بعيدة عير فتح استثنائي للأحياء الجامعية والداخليات، ولم لا الفنادق؟ وكذا تأمين النقل للطلبة القاطنين في مناطق قريبة من الكليات؟ الحلول موجودة فقط يجب أن تحضر الإرادة.