الشرق الأوسط الجديد الذي بزغ بعد الربيع العربي وسقوط الدولة الإسلامية في العراق والشام وتزايد الدور الإيراني في العراق ولبنان وسوريا واليمن، صار أكثر انقساما، لكن أكثر انفتاحا على اسرائيل من طرف دول عربية عديدة. اتفق المغرب واسرائيل على تطبيع علاقتهما حسب ما أورد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعاهل المغربي الملك محمد السادس الخميس الماضي، وهو ما وصفه نتنياهو بالسلام الدافئ، مضيفا أن الدولتين ستفتتحان قريبا مكاتب اتصال، وسترتبطان برحلات جوية. هذا الإعلان التاريخي يعد بحق منعطفا في حياة الشرق الأوسط. كنت دائما من بين العديد من العرب المقتنعين بأنه من الأجدر أن نعطي السلام بين العرب واسرائيل فرصة، وإن كنت من بين القلائل الذين جهروا بهذا الاعتقاد علنا. ولطالما شكلت وجهة نظري في هذا الموضوع مفاجأة للعديد من الأصدقاء الأمريكان واليهود والفلسطينيين. لقد كان جاريد كوشنر مستشار ترامب في شؤون الشرق الأوسط مفتاح اتفاقات السلام في المنطقة، والسنوات التي أمضاها في الجهد والصبر وقيادة المفاوضات الهادئة في الكواليس أثمرت أخيرا. رمى وراء ظهره بمخرجات المحادثات المتعبة في الماضي.. استمع.. ثم تعلم.. وانتهى إلى خلاصات أظهرت فهمه العميق للمشكل وطرح أسئلة جديدة. لقد اقتنع أخيرا الجميع بسداد رؤية كوشنر. يتذكر المخضرمون من المراقبين الإسرائيليين كيف عمل الملك الراحل الحسن الثاني بلا كلل لتعزيز التقارب بين إسرائيل وجيرانها وفي مقدمتهم الفلسطينيين. في السر أو العلن، كان الملك الراحل وراء إحراز كل تقدم كبير في مسار هذا التقارب بدءا باتفاقيات كامب ديفيد وانتهاء باتفاقات آوسلو. لقد كان بحق المهندس الحقيقي لأول اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل. الملك محمد السادس ظل على نفس الالتزام في تعزيز مسارات التقارب العربي الإسرائيلي، وبنفس القدر من الالتزام بالتكتم. سياسيا، لم يكن العالم العربي أبدا موحدا. دول عربية عديدة تبنت مواقف دول أخرى لا توجد بالضرورة على الحدود مع إسرائيل، ولم تكن يوما متأثرة بمآسي الشعب الفلسطيني، بينما دول عربية أخرى فعلت ذلك تماشيا مع قناعاتها في القانون الدولي والتعاطف والرحمة. وتوحد الصف العربي خلف جمود دام زهاء نصف القرن، هو ما يدعو الفلسطينيين إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم. على إسرائيل أن تتغير أيضا. التجارة، تبادل السلع والأفكار، بإمكانها خلق قنوات تواصل جديدة لدى الشباب في الجانبين الإسرائيلي والعربي. مع الوقت سيصبح الهدف تغيير سنوات الألم الماضية بمستقبل يجمع الشباب حول مستقبل حافل بالأمل. في سياق متصل ومرتبط بموضوع عزيز على كل المغاربة، اعترف دونالد ترامب بسيادة المغرب على كامل أراضيه الصحراوية، في تقدم ديبلوماسي نوعي غير مسبوق. وغرد الرئيس الأمريكي قائلا «الاقتراح الجدي والمعقول والواقعى للحكم الذاتي هو القاعدة الوحيدة لأي حل دائم وعادل من أجل إحلال السلام والازدهار. المغرب اعترف باستقلال أمريكا سنة 1777 وبالتالي فمن الأنسب أن نعترف بسيادته على الصحراء». دقائق بعد تغريدة ترامب، كان البيت الأبيض يعلن رسميا اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بمغربية الصحراء. أغلبية المغاربة يبارك التوجه الملكي في هذا الإطار. في الوقت الذي تستهدف الحركة الانفصالية المسماة بوليزايو، زعزعة الأمن والسلام في المنطقة برمتها، عبر تحويلها إلى مشتل لبروز الحركات الإرهابية. لقد عمر هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية طويلا، ولم تحرز كل المبادرات التي استهدفت حلا أي تقدم. وكجزء من إعلان الاعتراف الأمريكي ستفتتح الولاياتالمتحدة قنصلية في مدينة الداخلة الجنوبية. ومن خلال الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة استثمر فيها مليارات الدولارات، يمكن كسر هذا الجمود التاريخي. يجب الاعتراف أيضا للاتفاق المغربي الإسرائيلي بكونه سيشكل مدخلا لتغيير قواعد اللعبة، عبر وضع لبنة متينة لصداقة عربية إسرائيلية حقيقية، تعني الكثير في اعتراف بإنسانية كل طرف.