سقط الشاب البالغ من العمر 43 سنة، أرضا يحاول الوقوف دون جدوى، تقيأ دما كما لو كان قد تسمم، قبل أن يتوقف قلبه ويلفظ أنفاسه أمام الجميع، وقبل أن تصل سيارة الإسعاف التي نودي عليها. حي خندق الزربوح بمدخل تطوان، عاش يوما حزينا لما شاهده المارة، صغارا وكبارا من مآسي الشاب وهو يحتضر بتلك الطريقة المؤسفة. والكل يتساءل عن السبب الحقيقي لما حدث أمام أعينهم، ولكل تأويله، لكن بعض القريبين منه كانوا شبه متأكدين من أن الأمر يتعلق بجرعات المخدرات القوية التي يتناولها. لكن كيف حدث له ما حدث؟ وبهاته الطريقة بالذات. اعتقد الأهل والأصدقاء أن رفيقهم ربما أخذ جرعات زائدة، وهي غالبا ما تكون سببا في مثل هاته الوفيات. لكن الغريب هو ما كشف عنه مصدر طبي عليم، حينما أكد أن الأعراض التي ظهرت على المتوفى، سواء قبل الوفاة أو بعدها، تظهر أن الأمر يتعلق بتناول مادة فاسدة، أي أن الهيروين الذي كان يتجرعه في فترات متفرقة، لم يكن جيدا بل مغشوشا، فحتى هاته المواد بعلاتها، يقول المصدر، إذا ما كانت مغشوشة وغير جيدة، فإنها تتسبب في التسمم، بناء على مكوناتها الأساسية، التي لا يمكن أن تقتل مباشرة، إلا في حالتين، إما الجرعة الزائدة، وهنا يتوقف القلب نهائيا دون تقيؤ للدم، وفي حالة التسمم الذي يعني وجود غش، يحدث ما حدث بالضبط، يشرح المصدر الطبي. أسرة الهالك التي كانت على علم بأن ابنها يستعمل هذا النوع من المخدرات بين الفينة والأخرى، كانت تعمل على إنقاذه من هذا الإدمان، ولم تكن تتوقع أن يصل الأمر إلى ما وصل إليه. حيث أوضح شقيق الهالك أن أخاه تناول جرعة هيروين فاسدة، وليست وحدها التي كانت سبب وفاته، بل كل ما تناوله منذ سنوات مضت. حيث إن غالبية باعة هاته المادة والكوكايين أيضا، لا يبيعون المخدرات الصافية، التي لا يمكنها على الأقل تسميم متعاطيها، وإن كانت تقتله ببطء. فبعض المتعاطين لهذه المخدرات، أكدوا في تصريحات للجريدة، أن جل ما يتم تداوله بالسوق التطوانية، مغشوش ولا يشبه ذلك الموجود بأوروبا، على حد قولهم، ولعل ذلك ما جعل ثمنه ينخفض، حتى يتمكن هؤلاء من شرائه. محمد، فاعل جمعوي في هذا المجال، أوضح أن عمل الجمعية التي ينتمي إليها، يركز على هذا الجانب أيضا، حيث ينصح المتعاطين للمخدرات القوية، بتعاطي الصافية منها على الأقل. لكونها تضم مواد يمكن التخلص منها، في حال الدخول في تحدي العلاج، في حين أن ما تسببه البضاعة المغشوشة، يكون له أثر عضوي كبير وخطير جدا. بل يصبح العلاج من الإدمان في هاته الحالات صعبا، لصعوبة تحديد مكوناتها وبالتالي تمكين جسم المدمن من كميات منها، تقل شيئا فشيئا، كعلاج لهذا الإدمان، وبالتالي يكون العلاج أحيانا مشكلا، حينما لا تعرف مكونات ما يأخذه المدمن، يوضح المتحدث. كل شيء يمكن أن يكون أبيض وصافيا، حتى الطحين والطاباشير والجير، يعلق محمد بهذا الخصوص. في إشارة إلى ما يمكن أن تصنع به الكوكايين التي تباع بمختلف أحياء المدينة، الراقية منها والفقيرة، الهامشية وغير الهامشية. ف «تيلي بوتيكات» المخدرات القوية في تزايد مستمر، ولا وجود لرادع حقيقي لهؤلاء. بل إن الأمر بدأ يصل الآن إلى حد القتل مع سبق الإصرار، حيث لم يعد يمر أسبوع أو أسبوعان دون تسجيل حالة وفاة بسبب تسممات المخدرات القوية. حيث يعمدون إلى خلط بعض الكوكايين بمواد مختلفة، للزيادة في وزنها والتقليل من جودتها، وتختلف المواد التي تضاف حسب كل منتج من هؤلاء، حتى أن هناك من يخلطونها بالزجاج المدقوق والمصفى جيدا. «الكريستال» أجود أنواع الكوكايين وأغلاها، تجدها بالمغرب وبتطوان خاصة، بثمن مناسب جدا، ليس لكونها كريستال حقيقية، لكن لكونها مخلوطة بالزجاج المدقوق، الذي يعطيها لمعانا بفعل أجزائه الدقيقة، وتصبح كما لو أنها الكريستال الحقيقية، لتباع بثمن أعلى من العادية، وليستنشق المدمنون الزجاج المخلوط بأشياء بيضاء. كما أنه من أخطر الخلطات التي يتم تجهيزها في هذا الصدد، هي دق حبوب «القرقوبي»، وطحنها بشكل يحولها إلى غبار أبيض، أشبه بالكوكايين في كل شيء، ويتم خلطه ببعض من هاته المادة، ويباع للشبان والتلاميذ وحتى للفتيات المدمنات. والذي يسبب إضافة إلى الأضرار العضوية الخطيرة، آثارا سلبية جدا على متعاطيه، الذي يتحول إلى شخص عنيف جدا، ومستعد لارتكاب أي جريمة مهما كانت خطيرة. حيث ينعدم لديه الإدراك، ولعل ذلك ما رفع من نسبة الإجرام في المنطقة.