في الفضاء الافتراضي المغربي اليوم، سواء عبر الفيسبوك أو عبر تويتر أو عبر بقية منصات التواصل الاجتماعي، ضيق بالآخر يعبر عن نفسه بطريقة سباب وشتم ولعن بارزة للعيان، تؤكد أن رحابة الصدر المغربية التي نتغنى بها اليوم بطوله سائرة في طريقها نحو الفقدان. يعتقد الكائن الافتراضي المغربي اليوم أنه بسبه للآخرين المختلفين معه يحقق شيئا ما، في الوقت الذي يسجل على نفسه في الحقيقة أنه يضيق باختلاف الرأي، وأنه غير قادر على تحمل وجودأفكار أخرى غير أفكاره، وأنه غير مستوعب تماما لمعنى التواصل الفعلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لا بأس إطلاقا بالأمر، ولا مشكل، ولا إشكال. هاته التقنيات الحديثة، التي وصلت رقميا إلى مواطنين أغلبيتهم لم يستكملوا المسار التناظري، هي تقنيات حديثة، مستجدة مثل وباء كورونا، جديدة على العقلية التي لا تقبل الرأي إلا إذا كان موافقا لها، ولا تتقبل الكلام إلا إذا سار معها في نفس التيار، ووافقها الهوى ولم يعكر عليها صفو ماتعتقده يقينيات لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها... لذلك لا مفر من المرور من هذا المسار الملتبس، لسب بعضنا البعض، ولشتم بعضنا البعض، بل وحتى البصق على بعضنا البعض مثلما ارتكبت مسؤولة إعلامية كنا نعتقدها منزهة عن النزول إلى مستوى مثل هذا. بعد ذلك ، وبعد الانتهاء من عملية التفريغ البدائية هاته، سنستوعب شيئا فشيئا ماهية مواقع التواصل الاجتماعي، التي اخترعها أناس يفوقوننا من ناحية القبول بالآخر هاته. سنتفهم رويدا رويدا أن رأيك أمر طيب للغاية. لكن وجوده لوحده أمر غير جيد كثيرا، وأنه من المفروض أن توجد آراء كثيرة تختلف معك، تعارضك، تناقضك، تصارعك، وأن الحضارة الحقيقية والتمدن الحقيقي والانتماء الحقيقي لعصر الناس هذا هو أن تقبل كل هاته الأضداد وألا تجد أي إشكال في التعايش معها وفي مناقشتها وفي محاورتها دون أن تسبها ودون أن تشتمها ودون أن تلجإلى أسوأ مافيك: التفاعل الحيواني مع كل من لايقول لك مايرضيك. هو درس تربية وتعلم جديد، تلقننا إياه وسائل التواصل الجديدة هاته، نعرف أنه صعب جدا على من تعودوا الإنصات إلى الصوت الواحد، أي صوتهم. لكن مرة أخرى لامفر من إعادتها وتكرارها: هذه مرحلة تعلم وتعليم، سنمر منها وإن بكثير الآثار الجانبية، لكننا سنمر وسنتعلم الأهم والأساسي: الإنصات للأصوات التي تخالفنا والتي تختلف معنا، وهذا هو أهم ما في الحكاية ككل.