هذا التنسيق المثير للانتباه، اللافت للأنظار، المحرك للشبهات بين فضائيات أجنبية ناطقة بالعربية، بعضها يبث من فرنسا، وبعضها يبث من روسيا، وبعضها لا تعرف من أين يبث لفرط الالتباس الذي يحيا فيه، من أجل شن حملة ظالمة حقيقية على المغرب، هو تنسيق يلزمه بعض الكلام. في السابق من الزمن، كنا نترك لحسن ظننا بالقوم أن يقنعنا بأن الأمر يتعلق بحرية الإعلام، وبرغبة هاته الفضائيات في النبش في مواضيع الديمقراطية وما إليه، وباعتقاد هاته القنوات ومن يمولون هاته القنوات ممن يحددون الخطوط التحريرية لها، أن عليهم دورا مقدسا وضروريا ولازم الاحترام والشكر بنقل قليل من الحرية إلينا نحن المساكين المغاربة الذين نعاني من هذا « النقص الفظيع » في هرمونات التحرر وماشابهها، والتي يعانون هم بالمقابل من التخمة الزائدة منها. بعد ذلك هالنا أن نرى كل مرة هاته الفضائيات تغض الطرف عن كل البلدان الأخرى، حتى التي ترتكب فيها مجازر حقيقية في حق كل شيئ آدمي، وتقرر أن الاهتمام سيكون ببلادنا فقط، بالمغرب وحسب. ومع ذلك، ولأن المغاربة قوم يؤمنون بالنية خصوصا الحسن منها، فقد قلنا إنها علامة اهتمام طيبة بالبلد العربي والإسلامي الذي كان سباقا قبل غيره أي منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي لتطبيق الشعارات التي جاءت بها هاته الفضائيات سنة 2011 وماتلاها. وقلنا لأنفسنا « لابأس، فهذا التبئير على بلادنا وهذا الاهتمام بنا سيدفعنا إلى أن نكون أكثر حذرا في تطبيق ديمقراطيتنا، وفي الاهتمام بالنواقص التي ستعتريها وفي إصلاح مواطن الخلل إن كانت وهي من الضروري أن تكون ». توالت الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات، ولاحظنا - رغم نيتنا الحسنة - أن أهل هذا الاهتمام الفضائي يكادون يشبهون المخلوقات الفضائية فعلا في طريقة اهتمامهم. هو اهتمام من نوع غريب، لديه مريدون هم الذين يتحدثون في هاته الفضائيات، ولديه نبرة صوت هي التي يجب أن تصل إلى المشاهد العربي، ولديه مشكل حقيقي مع الأصوات المختلفة التي قد يتناقض خطابها مع خطاب مريدي هاته القنوات.. تسلحنا مجددا بحسن النية الشهير، وطالبنا بمبدأ التكافؤ فقط. وقلنا « إذا رأيتم أشياء سلبية في المغرب تحدثوا عنها وأسهبوا وقولوا ماتريدون، ولكن إذا رأيتم أشياء طيبة أو أشياء أفضل بكثير من تلك التي تحدث في الدول والبلدان التي لا تتحدثون عنها، فعلى الأقل أخبروا بها مشاهديكم، ولو على سبيل الحق في المعلومة والإخبار ». لم يستجب أهلنا الفضائيون لهاته الدعوة الصادقة، واستمروا في النهج ذاته: هناك صورة نمطية سلبية تلوي عنق الحقيقة لابد من ترويجها عن البلد، وهناك أناس مستعدون لأكل الثوم بأفواههم هم الذين سيأتون إلى هاته الفضائيات لكي يدبجوا مرثياتهم المبكية المضحكة كل مرة حول البلاد، وفي حالة الخطأ أو الغلط وإتاحة الفرصة للرأي الآخر لكي يكون حاضرا في بلاتوهات هاته القنوات، هناك طريقة واحدة ووحيدة للتعامل معه: عدم إتاحة الفرصة له للحديث بكل الطرق والوسائل. اليوم هناك اقتناع حقيقي في أوساط أصحاب النية الحسنة في البلاد بوجوب مقاطعة هاته الفضائيات تماما. السؤال الوجيه الذي يطرحه هؤلاء هو: لماذا سأذهب للحديث مع فضائية تعلن العداء السافر لبلادي، وتبث عنها فقط التقارير السلبية والمسيئة، وتفتح شاشتها لكل راغب في تنفيس حقده على البلاد لاعتبارات شتى تبدأ من السياسي العادي وتمر إلى المالي المنتفع، وتتواصل حتى المعقد من كل شيء الذي يرغب فقط في نفث حقده والسلام؟ السؤال يطرحه العديدون، ويقولون بأنه ربما حان الوقت لترك هاته الفضائيات تعزف معزوفاتها المنفردة لوحدها، وتقدم المونولوغات التي تحب سماعها، وتقول عن بلدنا بأنه أسوأ بلد في العالم، وتتهمنا بأننا نوجد في الصف الأخير في كل المجالات، وتكتفي وهي تسبنا وتشعر بأنها ارتاحت والسلام. نعم قال العديدون منذ سنوات إن سياسة الكرسي الفارغ لا تصلح، وأنها تتيح الفرصة فقط للشلة إياها لكي تعربد كذبا مثلما تشاء، ولكي تتحدث عن البلد بكل السوء الذي يملأ قلبها تجاهه، ولكي تنتج ماتتقاضى به ثمن بقائها على قيد كل هذا الكلام المرضي الذي لم يعد المغاربة قادرين على الإنصات إليه فأحراك تصديقه. لكن اليوم لامفر من الاعتراف بأن الاقتناع يكاد يكون شاملا كاملا بين جميع المؤمنين حقا بالاختلاف في الرأي، وبالحرية، وبضرورة إتاحة الفرصة للرأي والرأي الآخر للوصول إلى المتلقي أن المسألة أصبحت سمجة وغير مسلية إطلاقا، وأنها تدخل في إطار مساعدة هؤلاء على إيجاد طرق أفضل لنفث حقدهم تجاه البلد. وماذا لو تركناهم يتحدثون لوحدهم؟ وماذا لو أبدعنا أكثر وأنتجنا فضائيات لنا تخاطب بطريقة عاقلة وذكية ومتحضرة ومعاصرة متلقي هذا الوقت وتقدم له الحقائق التي تهرب منها الفضائيات الموجهة والمكلفة بمهمة التي تعادي بلادنا؟ نطرح السؤال، ولا نطمع في جواب سريع. نترك للوقت بعض الوقت لكي تختمر الفكرة، وبعدها قد يكون لكل حادث حديث...