توصلت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، بما لا يقل عن 80 شكاية، تقدم بها مواطنون ومواطنات ضد برامج رمضان الماضي المعروضة على القناتين «الأولى» و«الثانية»، وهمت الفترة الفاصلة ما بين 03 و 21 ماي الفائت، و تركز مضمون هذه الشكايات حول المسلسلات الدرامية، والسيتكومات، والمسلسلات الفكاهية. بعد الانكباب على دراسة كل هذا الكم من الشكايات، والتداول في مضامينها، انتهى المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، خلال اجتماعه بتاريخ 04 يونيو الجاري، إلى القول أن حرية الإبداع، لا سيما في أعمال الخيال، تعد جزء لا يتجزأ من حرية الاتصال السمعي البصري، كما كرسها القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري والقانون رقم 11.15 المتعلق بإعادة تنظيم الهيأة العليا. في مقابل هذا التأكيد من طرف المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري على مبدأ حرية الإبداع، فإنه لا ينفي بأي حال أن سائر المضامين السمعية البصرية المبثوثة من طرف الإذاعات والقنوات التلفزية، العمومية والخاصة، تظل خاضعة لنفس المبادئ القانونية التي يتولى المجلس الأعلى مراقبة مدى التقيد بها، وإصدار القرارات المناسبة بشأنها عند الاقتضاء، على غرار واجب عدم المس بالكرامة الإنسانية، واحترام مبدأ قرينة البراءة، وعدم التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف، وعدم التمييز ضد المرأة أو الحط من كرامتها، وحماية الطفل والجمهور الناشئ وعدم تعريضه لمضامين تنطوي على مخاطر جسدية، نفسية أو ذهنية، وعدم التحريض على سلوكات مضرة بالصحة وبسلامة الأشخاص... بعد هذا الرد الذي يفيد أن موضوع الشكايات بعيد عن اختصاصات «الهاكا» للبث فيه، رمت الكرة إلى ملعب المتعهدين العموميين، وذكرهم المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري بأهمية وضرورة التفعيل المناسب والأمثل للآليات الداخلية المنصوص عليها في دفاتر تحملات متعهدي الاتصال السمعي البصري، خصوصا العموميين، المرصودة لدعم التفاعل مع الجمهور واستطلاع انتظاراته وتقوية الإنصات لتطلعاته إزاء العرض السمعي البصري، دعما لثقافة وممارسات الضبط الذاتي وخدمة للمصلحة الفضلى للمواطن المرتفق. وحتى لا يبقى كلام المجلس الأعلى نظريا، ضرب مثلا بعدد من هذه الآليات كمؤسسة الوسيط التي يوكل إليها داخل الشركات الوطنية للاتصال السمعي البصري العمومي اتخاذ التدابير المواتية لتلقي ومعالجة ملاحظات ومقترحات الجمهور، وكذا لجنة أخلاقيات البرامج التي تتولى تفحص الجوانب ذات الصلة بأخلاقيات المضامين وتبدي الرأي بشأنها قبل البث، بالإضافة إلى لجنة انتقاء مشاريع البرامج المقدمة من طرف المنتجين الخارجيين، وهنا يضع المجلس الأعلى أصبعه على مكمن الخلل، إذ لو جرى فعلا تفعيل هذه الأليات بشكل حقيقي، لكانت مستوى ما يقدم خلال رمضان بعيدا عن السقوط، في كل ما من شأنه أن يدفع المواطنين إلى الاحتجاج بتقديم شكايات إلى الهيأة العليا للسمعي البصري، ففي كل عام تتكرر المسرحية نفسها وبالإخراج الرديئ عينه. وعلى «الهاكا» أن تحيل 80 شكاية هاته على لجنة انتقاء البرامج تحديدا، لعل أعضاءها يتمكنون من فهم ومواكبة التطور المستمر لتطلعات وانتظارات المشاهدين قبل التأشير على أي عمل سواء كان دراميا أو كوميديا.