لو لم يتدخل المرسوم المنظم لحالة الطوارئ بقانون (جريدة الرسمية عدد 6867 مكرر وتاريخ 24 مارس 2020) لوقف آجال السقوط ومنها آجال الطعون لكان لزاما على القاضي أن يجتهد لاستلهام روح العدالة الكامنة في قلب القاعدة الإجرائية للقول بعدم جواز الإثارة التلقائية أو دفع الأطراف بعدم القبول لفوات أجل الطعن، تماشيا مع صريح الفصل 110 من الدستور، ومبادئ التقاضي بحسن النية التي لا يمكنها أن تكافئ من يستغل الجائحة لتفويت أجل طعن، فمحراب العدالة طاهر لا يلجه من تدنست سريرته بالحيل والخدع المسطرية. وإذا كان المرسوم رقم 2.20.293 المصادق عليه في مجلس حكومي يوم الأحد 22 مارس 2020 الذي أعلن عن حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني ابتداء من يوم 20 مارس 2020 في الساعة السادسة مساء إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء. هو الوثيقة الرسمية المعتبرة بموجب المادة 6 من المرسوم بقانون حالة الطوارئ الصحية لانطلاق إيقاف سريان الآجال، فإن ذلك يعني بالنسبة للطعون أن الأحكام الابتدائية المدنية التي بلغت في 16 فبراير تكون قابلة للاستئناف إلى غاية 19 مارس تحت طائلة السقوط ولا يمكنها أن تستفيد من التوقف في حين أنها متى بلغت بعد ذلك فإن أجل الطعن فيها بالاستئناف سيوقف لزوما بحسب المدة المتبقية التي ستقتطع من 30 يوما المقررة بموجب الفصل 134 (ق م م) كأجل للطعن. والأمر نفسه بالنسبة لاستئناف الأحكام الابتدائية المرتبطة بحوادث الشغل ( 287 ق م م ). وإذا كانت الآجال المطولة نسبيا قد لا تخلق إشكالا فإن الأمر يدق بالنسبة للطعون المقررة داخل أجل 15 يوما من تاريخ التبليغ (مثلا استئناف أحكام قضاء الأسرة الفصل 134 والأحكام الزجرية الحضورية المادة 400 ق م ج ) حيث إن جميع الأحكام المبلغة أو الصادرة حضوريا يوم 03 مارس 2020 انتهت مدة الطعن فيها يوم 19 مارس. في حين أن الطعن المقرر داخل أجل 10 أيام ( مثلا التعرض عن الأحكام الابتدائية الغيابية مدنيا وجنحيا الفصل 130 ق م م و المادة 400 ق م ج ) يجعل من الأحكام المبلغة يوم 08 مارس قابلة للتعرض إلى غاية 19 مارس. علما أن اعتماد نقطة انطلاق إيقاف سريان الأجال الإعلان الرسمي بموجب مرسوم عن حالة الطوارئ لم يأخذ بعين الاعتبار أن تعليق انعقاد الجلسات كان بتاريخ 16 مارس 2020 بموجب كتاب مشترك بين وزير العدل والرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة، وهو ما خلق وضعا نفسيا لدى المشتغلين في حقل العدالة من كون المحاكم تعطلت، على النحو الذي قد يضيع 4 أيام من عمر الآجال. وهنا يتعين على القضاء أن يتدخل للاجتهاد متى استلزم الأمر ذلك لتحقيق العدالة في فترة مضطربة حرجة ولا بأس من اعتبار أن يوم 16 مارس تاريخ تعليق العمل بالجلسات تحسبا لانتشار داء كورونا هو من قبيل القوة القاهرة التي تقف حائلا دون ممارسة الطعون داخل الآجال. وبالتالي يتعين القول بتوقيف مدة سريانها. وإذا كانت الفقرة الثانية من المادة 6 من المرسوم توحي بأن الآجال المعنية بالإيقاف هي ما تعلق بآجال الطعن في الأحكام، فإن الصيغة المطلقة للفقرة الأولى تخالف هذا الاستنتاج، مما يتعين معه منذ الآن أن يجتهد القضاة في جرد آجال السقوط تبعا للشعبة التي يتولون الفصل في أحكامها ( المدني، الحوادث والمنازعات، العقار...) حتى لا تختلط بمدد التقادم في انتظار الحسم في الإشكال الذي سيثور حول ما إذا كانت هذه الأخيرة مشمولة بالتوقيف. وبالنسبة للقضايا الزجرية فإن التمييز بين ملفات المتواجدين في حالة سراح عن ملفات المعتقلين لا يحسم الإشكال لاسيما في الحالة التي تجري المتابعة في نفس الدعوى العمومية على متهمين أحدهم معتقل وآخر في حالة سراح فيصدر الحكم حضوريا على كليهما فيبادر المعتقل أو النيابة العامة أو هما معا إلى استئنافه وبعد أن تصدر جهة الاستئناف قرارها ويحوز حجية أو قوة الشيء المقضي تبعا للطعن فيه بالنقض من عدمه، يستدرك المتهم المتواجد في حالة سراح ويدفع بمفهوم المخالفة لمقتضيات المادة 6 من مرسوم قانون حالة الطوارئ ويبادر بالاستئناف، فهل يكون طعنه مقبول لكونه ليس معتقلا يستفيد من إيقاف الأجل، أم يواجه بكون الحكم الفاصل في دعوى عمومية في مواجهته بمعية متهم معتقل كان حضوريا وأن ممارسة الطعون لا تقبل التبعيض.؟ الواقع أن اجتهاد القاضي ينبغي أن يحفظ حق المتهم الحسن النية الذي فتنته كورونا عن ممارسة الطعن، ولا بأس من قبول طعنه بالقياس الجائز في قوانين الشكل على حالة الأحكام الغيابية الجنحية أو الجنائية على متهمين في دعوى عمومية في حالة سراح بمعية معتقلين، بحيث متى بلغ الحكم الغيابي يكون قابلا للتعرض، وعندما يتم إيقاف المتواجد في حالة فرار تسقط المسطرة الغيابية وفي كلتا الحالتين يتم التعاطي مع ملفهما بمعزل عن مآلات الأحكام الصادرة في حق من كانوا معهما في حالة اعتقال. وبعيدا عن أي تعقيد لا تحتمله الظرفية وتفاديا لكل اضطراب لا بأس من فصل ملفات المعتقلين عن المتواجدين في حالة سراح، وأن يتوقف تعيين ملفاتهم أو تؤجل إلى تاريخ يتم تحديده لا حقا لاسيما بالنسبة لغرفة الجنايات حيث سيطرح التساؤل حول القيمة القانونية والجدوى من إشعار المتهم المتابع في حالة سراح بعد تلاوة القرار عليه من أن له ابتداء من يوم صدوره أجلا مدته عشرة أيام كاملة للطعن بالاستئناف طبقا في المادة 440 ق م ج والحال أن المادة 6 من مرسوم قانون حالة الطوارئ أوقفت أجل الاستئناف. ولست أدري لماذا اقتصرت الفقرة الثانية بالنسبة لقضايا المعتقلين على الاستثناء من التوقيف على أجل الاستئناف وسكتت عن الطعن بالنقض. بما يعني أن قرارات غرف الجنايات الاستئنافية التي ستصدر طيلة الفترة الممتدة من 20 مارس إلى 20 أبريل سيتوقف أجل الطعن فيها بالنقض إلى حين زوال حالة الطوارئ. وعلى الإجمال فالإشكالات كثيرة والمعول عليه لحلها القاضي ابن بيئته الذي لم يعد ملزما بتطبيق القانون فقط، ولكن بالبحت عن روح العدالة ضالة النفس الزكية. وإلى أن تعرض الأقضية من جديد على قاضي الأرض لا نملك غير التضرع لقاضي السماء بالدعاء اللهم الطف بنا في خفي لطفك الخفي من خفي لطفك الخفي.