لم يمر عرض ثلاثة أفلام روائية طويلة عن الإرهاب والتطرف في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الحالية دون أن يثير الانتباه والتساؤل حول اهتمام السينمائيين المغاربة بالتطرف والإرهاب وعن المعالجة الفنية للظاهرة في هذه الأفلام الثلاثة وما الجديد الذي قدمته من خلال قصصها المختلفة عن موضوع عالجته السينما المغربية وعلى الأخص السينما العالمية حتى التخمة. رهائن ..تنميط وكاريكاتورية رهائن فيلم المخرج مهدي الخودي الذي استفاد من دعم ما بعد الإنتاج بقيمة 2 مليون و200 ألف درهم كان أول فيلم مغربي يسترعي الانتباه بقصته عن داعش في العراق واحتجازها للنساء اليزيديات وهي القصة التي تناولتها السينما العالمية بطرق مختلفة ولقيت رواجا على المستوى الإعلامي من خلال الاهتمام بهذه المنظمة الإرهابية ومعاناة هؤلاء النسوة. ونظرا للعديد من النقائص التي طبعت الفيلم على مستوى السيناريو والحوار وأيضا التشخيص فقد جاء الفيلم عبارة عن فرقعة سينمائية من كثير الأسلحة التي استعملت والتفجيرات التي حدثت طيلة الفيلم ورغم العنف الذي صوره الفيلم والدماء التي سالت فيه فقد جاء مثيرا للضحك والسخرية بسبب كاريكاتوريته ونمطيته في حكي القصة ورسم شخصيات وأداء معظم الممثلين والسؤال الذي طرحه الكثيرون هل الفيلم موجه للجمهور المغربي أم الهدف الأساسي منه هو تسويقه خارجيا لجمهور وموزعين يبحثون عن أفلام أكشن و إثارة لقضايا وإشكاليات معقدة و تلقى رواجا لدى الجمهور الغربي. أوليفر بلاك و راية داعش أوليفر بلاك الفيلم الروائي الطويل الأول لتوفيق بابا الذي جاء عبارة عن رود موفي أو أفلام الطريق لم يكن موضوعه الأساسي هو الإرهاب والتطرف وداعش لكن ما كانت تسمى بالدولة بالإسلامية في العراق والشام سجلت حضورها ضمن مواضيع وإشكاليات أخرى تطرق لها الفيلم و ما أثار الانتباه أكثر والتساؤل هو حضور راية هذه المنظمة الإرهابية في بداية الفيلم ونهايته فهل يتعلق الأمر بكليشيهات من أجل الإثارة ولفت الانتباه. ينفي المخرج توفيق بابا في تصريح سابق للأحداث المغربية أن يكون التطرق إلى الموضوع من باب الكليشيهات والإثارة ويقول إن داعش هي نقطة في واد أوبحر وأن الهدف من الفيلم و إثارة الموضوع هو أنه حتى المتطرفين هم ضحايا نظام عالمي وما عبرته عنه شخصية فوندرودي بالسيرك الكبير كما أن إظهار راية داعش في بداية ونهاية الفيلم هو بمثابة اللعب على حضور ثنائية الإنسان الأبيض والأسود في الفيلم وأيضا حضور هذين اللونين في راية داعش. الطريق إلى الجنة إرهاب مهاجر في أول تجربة له مع الفيلم الروائي الطويل يعالج المخرج المغربي المقيم في هولندا وحيد السنوجي من خلال فيلمه الطريق إلى الجنة ظاهرة التطرف وسط المغاربيين في أوروبا ويحاول أن يبحث عن أسبابها من خلال قصة شاب له مستوى دراسي واعد يصاب بالاكتئاب جراء مشكل الاندماج وحينئذ يكون صيدا سهلا لآلة استقطاب المتطرفين إلى أن يجد نفسه ذات يوم على وشك تنفيذ عملية إرهابية وقتل ناس أبرياء لكن ضميره يصحو في آخر لحظة ويقع خلاف بينه وبين المتطرف الآخر الذي استقطبه فيتبادلان إطلاق النار فيما بينهما وتنتهي القصة بموت الإثنين. وفي رده عن سؤال للأحداث المغربية عما إذا كان إنتاج فيلم عن الإرهاب والتطرف هو من باب الموضة أم لأنه موضوع العصر قال وحيد السنوجي مخرج فيلم الطريق إلى الجنة أنه يعيش منذ 14 سنة في هولندا و أنه تم إنجاز أفلام عديدة حول التطرف في هولندا ومختلف الدول الأوروبية لكن القاسم المشترك بينها أنها تظهر المتطرف بصورة نمطية وبدون ذكر الأسباب التي أدت إلى وصوله إلى هذه المرحلة. و أضاف أنه حاول في فيلمه أن يتتبع مسار شاب ناجح في مساره الدراسي كما العديد من الشباب من أصول مغاربية وينتظره مستقبل واعد في مجال المحاماة ولديه صديقة هولندية ولديه أحلام في الحياة يود تحقيقها وعبر بهذا الشاب كل المحطات التي أوصلته إلى التطرف وفي سياق حديثه أوضح أن التطرف في اعتقاده ناتج عن الاكتئاب والإنسان في هذه المرحلة محتاج لمن يساعده ويقدم له الدعم لتجاوزها. وأضاف أنه في الفيلم هناك العديد من العناصر التي لم تساعد البطل على تجاوز حالة الاكتئاب وهي عدم تواصل الأب مع أبنائه وعدم تحمله المسؤولية كما ينبغي ثم انشغال الأم بالعمل ودخول الأخ إلى السجن و اعتبر السنوجي أن هناك عناصر مترابطة لا يمكن الفصل بينها أدت إلى تطرف ذلك الشاب الذي كان ينتظره مستقبل واعد. و أكد السنوجي أن الرسالة الواضحة التي حاول إيصالها من خلال فيلمه الطريق إلى الجنة هي أنه لا يمكن ترهيب ولا قتل الناس الأبرياء تحت أي مسوغ وهنا ذكر بتخيل البطل لأمه بين الضحايا المفترضين لعمليته وما قاله له الفقيه عن رابط الإيمان الذي يمكن أن يعيده إلى جادة الصواب وينقذه من المصير المظلم وتأكيد صديقته الهولندية أنه يمكن لعلاقتهما أن تعود إلى طبيعتها وحالتها الأولى. و أوضح المخرج المغربي أنه من خلال ذلك أراد أن يقول للناس الذين يعانون من الاكتئاب ويمكن أن يجنحوا نحو التطرف وحتى إن كانوا في مرحلة متأخرة فإنه يمكنهم تجاوز هذه المرحلة وتجنب الأسوأ وفي هذا السياق ذكر ببعض الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة مثل مشكل الهوية أوالعنصرية أوصعوبة إيجاد فرص عمل والاندماج وطريقة تعامل الأمن مع المهاجرين الشباب من جهة أخرى كشف السنوجي أنه اعتمد في فيلمه على قصص حقيقية لشباب وقعوا في شراك التطرف و أنه كان صادقا جدا في حكي قصصهم. وفي هذا السياق أشار إلى أن فيلمه لا يتضمن صورا نمطية سواء تعلق الأمر بالملبس أواللوك أوالعلاقات واعتبر أن الدين الإسلامي ليس دين عنف بل هو دعوة إلى الحب والسلام والتعايش وهي الصورة التي يقول أنه حاول إيصالها للمشاهد والمجتمع الغربي ككل و ذكر بأن الفيلم تضمن بعضا من الخطابات العنصرية لليمين المتطرف في هولندا متمثلا في خيرت فيلدرز صاحب فتنة وكذلك بعض الشيوخ الذي لهم خطاب راديكالي وهو ما يمكن أن يدفع إلى التطرف ... وأكد السنوجي أن فيلمه مصنوع بميزان وتوازن. من جانب آخر عبر السنوجي عن سعادته بأن يكون العرض الأول العالمي لفيلمه في بلده المغرب قبل أن يشارك في مهرجانات عالمية ومنها مهرجان الأقصر السينمائي يوم الخميس. رأي النقاد في أفلام الإرهاب يرى الباحث والناقد سعيد مزواري أن الصدفة تجعل أفلاما منتقاة للمشاركة في المهرجان الوطني أوغيره تلتقي في بعض التيمات أوحتى التصور أوالرؤية أوبعض الحساسيات الفنية وبالفعل يضيف في تصريحه وتحليله هناك ثلاثة أفلام مشاركة في مسابقة الفيلم الروائي الطويل تتطرق للتطرف والإرهاب كل واحد من زاويته لكن للأسف يؤكد مزواري الأفلام الثلاثة لم تكن موفقة في تناولها كل واحد منها لأسباب معينة. و أوضح أن التوجه الطاغي في الأفلام سالفة الذكر هو أن هناك نوعا من المباشرة و أضاف في تقييمه أن كل شيء قيل عن الإرهاب و تساءل بماذا سيفيد المخرج عندما يأتي ليقدم طرحا مسبوقا من باب أن الإرهابيين أشرار أو وحوش. و أكد مزواري على أن السينما هي الإنسانية و أن تبحث عنها وتجدها حتى في داخل الوحش و أن تقول أشياء أهم من أن تصنف الناس إلى أشرار وأخيار وللأسف أن الأفلام وقعت في مطب المتوقع ومنها فيلم وحيد السنوجي حيث أن المشاهد يعرف إلى أين يذهب الفيلم يبقى فقط ينتظر الكيفية التي سوف يتم بها ذلك وأوضح أن الأفلام الرائعة هي التي تفاجئك حتى من داخل هذا الطرح . ونبه مزواري إلى أن موضوع الإرهاب موضوع صعب حتى على مستوى التناول السينمائي العالمي وهناك أفلام سقطت في فخاخ تناول ظاهرة سجالية. وأضاف شارحا أنه ما أن تتطرق للإرهاب في فيلمك حتى تعطى له هالة كبيرة ويكون عليه إقبال كبير لكن الوجه الآخر للعملة هو الإحباط الذي سوف يحس به الناس عندما يجدون أن الفيلم لم يقدم جديدا من جهة أخرى وفي تحليله وتقييمه لكل فيلم أوضح أن فيلم أوليفر بلاك لتوفيق بابا لم يتطرق إلى التطرف إلا في البداية والنهاية التي يرى أنها أضعف ما في الفيلم . كما نبه إلى أن الفيلم يعاني من خلط في الأنواع ما بين الرود موفي والنوع الروحاني الداخلي كما أشار إلى بعض اللقطات النشاز في الفيلم لكن هذا لم يمنعه من التأكيد على أن هناك صدقا كبيرا في الفيلم وفيه اشتغال على الكتابة و الحوار الذي كان صادقا جدا و يحتاج فقط إلى بعض التشذيب و أكد مزاوي أن مخرج العمل له خلفية أدبية وفنية يمكن أن تصقل في المستقبل. أما بخصوص فيلم رهائن فقداعتبر مزواري أنه كان أكثر الأفلام تطرفا في تصنيف الإرهابيين بشكل سمج ويفتقد للذكاء وأوضح أن الكتابة السينمائية يجب أولا أن تتصف بالذكاء وتخاطب الجمهور بطريقة ذكية ولا تعمد إلى اسغلاله أوالتلاعب به وهنا تطرق إلى بعض الهنات التي عانى منها الفيلم سواء على مستوى اللغة أوغيرها مؤكدا على أهمية التفاصيل في السينما و خلص في الأخير إلى أنه إذاما احترم المخرج وفيلمه ذكاء المشاهد إلا و أتى الفيلم في المستوى.