المخرج الفلسطيني إيليا سليمان حالة متفردة في كل شيء، في إخراج أفلامه وصنعها، كما في حواره أيضا.. يكفي أن تطرح عليه السؤال، حتى ينطلق بدون توقف مسافرا بك إلى عوالمه ومنطلقاته المؤسسة لأسلوبه الخاص في السينما؛ أسلوب لا يشبهه ولا يضاهيه فيه أحد. منشط حواره في إطار فقرة "محادثة مع" الناقد الفرنسي جون بير لافوانيا بدا مستمتعا، واكتفى بالإصغاء له في أحايين كثيرة، قبل أن ينبهه بأنه إذا لم يوقفه أثناء الجواب، فقد يستمر في الكلام إلى الصباح. خلافا لما سار عليه جون بير مع الضيوف السابقين، بدخوله مباشرة في لعبة سؤال جواب، غير خطته مع إيليا سليمان وبث منذ البداية مشهدين بلغة صامتة، من فيلمه الأول الموسوم ب»مقدمة لنهاية جدال". الأول ظهر فيه بنفسه وهو يحاول الحديث عبر ميكروفون، غير أن صوتا مزعجا صادرا منه منعه، والثاني هو نزول عدد من رجال الشرطة مسرعين للتبول على جدار في الشارع العام. مشهدان يلخصان سينما إيليا سليمان، إذ يسود الصمت عادة، وتتراكم المشاهد أو اللوحات بتعبيره واحدة تلو الأخرى. في توضيحه لسياق وملابسات إخراج هذا العمل، كشف مخرجه أنه أقدم على هذه الخطوة أو المخاطرة وهو عديم التجربة، لم يجد أي منتج له. وحينما عرض مشروعه على بعض المنتجين داخل فرنسا، قالوا له: "أنت فلسطيني مزور" واستغربوا بعد قراءتهم للسينما وفق ما قالوا له، تتضمن مقاربة كوميدية، بينما يعيش بلده فلسطين مأساة. وواصل مخرج "يد إلهية" في معرض حديثه عن تفاصيل عمله الأول، أنه كان بدون سرد واضح ولا حبكة، فهو يشتغل بأسلوب بناء لوحات متراكمة الواحدة تلو الأخرى، ولا يعتمد الشكل التقليدي المتمثل في قصة لها بداية ونهاية. اللوحة عنده تعد مشهدا يختزن صورا جمالية، تعتمل داخلها عدة أشياء "هي التي أنكب على تركيبها لساعات وأيام وشهور، ثمة مشاهد تتركب، وأخرى لا تصل لهذه المرحلة، تخضع لعملية قص وإعادة تركيب قد يكون على شيء آخر، قد تركن جانبا في انتظار أن يحين وقتها»، يقول المتحدث ذاته. بعد كل هذا المسار المعقد يتعين عليه انتظار أن يولد السرد، ويقع حادث ما فجائي تجهل طبيعته المسبقة. الانتظار بهذا الشكل لشيء محتمل غير أكيد يجعل المخرج يعيش في وضع مقلق يتولد عنه "خوف دفين أمام هذه اللوحات المتراكمة التي تحتاج إلى السرد ومجموعة عناصر أخرى يجب توافرها ليتحقق وجوده»، يقول إيليا سليمان. والمثير أن تأخر وقوع الحادث المنتظر كما قال، لا يمنعه من مواصلة التصوير، وهو ما يفضي إلى تضخم في تراكم المزيد من اللوحات، ويدفع في اتجاه نشوب خلاف مع مساعديه، وطرح عليه السؤال: "لماذا نستمر في التصوير ولنا ما يكفي من الصور الجميلة؟"، لم يلتفت إلى كلامه، لعدم قبوله النصح من أي كان، بل ولا يتردد في اتهام ناصحيه بالتآمر ضده. خاصية أخرى تنفرد بها الأعمال السينمائية لإيليا سليمان اعتمادها الصمت وعدم الإيمان بالحوار، ويفسر أصل هذا الأمر أن بدايته الأولى كمخرح لم تكن ثمرة أي استراتيجية أو مخطط أو تحصيل أكاديمي في مدرسة سينمائية، وهو ما يفسر بأن الصمت جاء هكذا أثناء العمل "لم أكن سينيفيليا وليست لدي ثقافة سينمائية، كما لم أتلق أي تكوين في مدرسة سينمائية، لعوضت كل ما سبق بنوع من الذكاء.. ولولا لما حققت أي نجاح كما كنت في هذه المرحلة مستعدا لمواجهة كل الصعاب»، يوضح مخرج فيلم "لابد أنها الجنة". وعن السر في اعتماد الدور الصامت كعنصر ثابت في كل أفلامه، بما فيه فيلمه الأخير "لابد أنها الجنة"، يجيب إيليا سليمان أنها ليست شخصية واقعية، بل من وحي الخيال، رادا السبب وراء اعتماده الصمت "قد يكون خجلي أو لم أكن متأكدا من نفسي أو لدي إحساس دفين بالخوف وعدم القدرة على المواجهة»، يؤكد مخرج فيلم "الزمن الباقي".