قبل أيام، ذهب محمد بنشعبون وزير المالية، القادم من عالم الأبناك حيث أدار ولسنوات عديدة واحدة من كبريات المؤسسات المالية المغربية والعارف بعالم المقاولة وإكراهاته، للقاء المسؤولين عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب. في هذا اللقاء، لم يتنازل وزير المالية عن الأساسيات، لكنه بالمقابل، قبل بإحداث تعديلات عديدة، ترتبط بتسهيلات حول عمليات بيع الإقامة الرئيسية، واحترام الآجال القانونية للأداء لدى المؤسسات العمومية. تأتي أهمية هذا اللقاء لضرورة التقاء الدولة والقطاع الخاص في العديد من القضايا، ورفع مستوى الثقة بينهما، من أجل عودة عجلة الاقتصاد الوطني للدوران بوتيرة ثابتة. الأبناك مدعوة للعب دور محوري في عملية الانتعاش الاقتصادي، كما ذكر بذلك الملك محمد السادس خلال خطاب افتتاح الدورة البرلمانية الأخير. ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة للقروض يظل صعبا، خصوصا خلال ظرفيات اقتصادية يطغى عليها نقص السيولة النقدية. فالمقاولات الصغرى والمتوسطة تتوزع على مجموع التراب الوطني وتعتبر أهم منصة اقتصادية لخلق فرص الشغل، مايؤهلها للمشاركة وبفعالية في كافة مشاريع التنمية الجهوية. من الطبيعي، كما هو الحال في كل دول العالم، أن تكون للباطرونا مطالب ضريبية تسعى للتنصيص عليها في قانون الشغل أو تطرحها كورقة تفاوض من خلالها الإدارة. العديد من نصوص القوانين مازالت في الانتظار وفي مقدمتها قانون الإضراب الذي لم ير النور لحد الآن، بعد أن عجز الفرقاء الاجتماعيون إلى التوصل لتوافق حوله. حول هذه النقطة، يمتلك اتحاد مقاولات المغرب كل الحق في الدفاع عن مطالبه. بالمقابل، لايمكن للباطرونا أن تتنصل من مسؤولياتها الاجتماعية، لأن الدولة تنتظر بدورها مقابلا عن تخفيض أنظمة التضريب، وأولى هذه المسؤوليات هو الاستثمار حيث تفترض الحكامة الجيدة أن يذهب ثلث الأرباح للمستثمر، والثلث الثاني للأجراء والثلث الأخير للمساهمين، بينما الواقع يؤكد أننا بعيدون عن هذا النموذج حيث يفضل العديد من أرباب المقاولات امتلاك إقامات ثانوية، أو توسيع أسطول سياراتهم الخاصة، عوض الانكباب على تطوير سلاسل الإنتاج في مؤسساتهم الاقتصادية. و الملاحظ أيضًا هو سيادة حالة من الخوف على قطاع الأعمال هذه الأيام على الرغم من عدم وجود أي سبب منطقي لتبريرها، في ظل وجود استقرار سياسي يضمن سيرا عاديا للمؤسسات. هناك مظاهر عديدة تعطينا مؤشرات على أن الوضع ليس بالصورة القاتمة التي يحاول رواد الصالونات الاقتصادية المغلقة وصفها. فأيام الإضرابات صارت محدودة والنقابات تفضل الجلوس إلى طاولات الحوار، فيما تحسنت وبشكل كبير العلاقات بين الإدارات الجبائية والنسيج المقاولاتي، أما معدلات الأرباح فقد صارت أكثر جاذبية. بناء الثقة ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل مهمة جماعية يتقاسمها المواطنون أيضا. وهنا يطرح السؤال هل يساهم مهربو الأرباح المحققة داخل المغرب إلى الخارج في تعزيز هذه الثقة؟ الجواب طبعا : لا. ان تاريخ الاقتصاديات الصاعدة يؤكد أن على القطاع الخاص الاضطلاع بدوره المحرك للاستثمار، وإفراز نخبة ترفع المجتمع إلى مستويات أرقى، وتكون حاملة لقيم التضامن والمسؤولية البيئية والشفافية في تناغم تام مع المشروع الوطني ذي المرتكزات الثلاثة : الديمقراطية والتنمية والحداثة. الباطرونا، كطبقة اجتماعية، عليها أن تتبنى هذه القيم وأن تعمل على نشرها. عمليا، لا تلعب الباطرونا هذا الدور بشكل كامل بل تكتفي بالبعد التدبيري، تاركة باقي النقاشات المهمة في المجتمع جانبا. لهذا الباطرونا مدعوة اليوم لتعميق التفكير حول هذا الدور الاجتماعي، لمساهمة أكبر وأنجع في بناء المشروع الوطني.