الأحداث المغربية - AHDATH.INFO أصدر القضاء المغربي قراره وحكمه، الجمعة السالفة، برفع عقوبة السجن في حق مدير نشر جريدة "أخبار اليوم المغربية" توفيق بوعشرين من 12 سنة التي قضت بها المحكمة الابتدائية إلى 15 سنة قضت بها محكمة الاستئناف لاشك أن لدى القضاة، الذين قرروا تشديد العقوبة ورفعها بثلاث سنوات أسبابا وجيهة للقيام بذلك. لذلك لن نعلق على هذا الحكم، بل سنحترمه لأنه صادر عن محكمة لديها هيبة لابد من توقيرها، والاعتراف بها والقبول بقراراتها التي تكون مبنية على اليقين، وعلى المعطيات وعلى المعلومات وليس على المتمنيات أو التعاطف مع هاته الجهة أو تلك.. لذلك ومع استيعاب رد الفعل الذي خلفه تشديد العقوبة إلا أن أشياء محددة يجب أن تقال في هذا الملف، الذي أثار نقعا كثيرا لأنه ملف ساخن بل ملتهب ومليء بكل البهارات والتوابل الحامية التي يمكن تخيل وجودها على سطح الأرض.. أولا : لا يجب إطلاقا في هاته القضية أن ننسى وجود أطراف مقابلة لتوفيق بوعشرين. يتعلق الأمر بنساء وفتيات حقيقيات اخترن التقدم بشكاياتهن إلى القضاء، ولا يحق لأي منا - إلا إذا كان شاهد عيان على وقوع أو عدم وقوع ماتتهم به هؤلاء الفتيات المدير المذكور- أن يكذبهن، أو أن يقول لهن إنهن يفترين على بوعشرين، أو أن جهة ما قررت تشغيلهن في هذا الملف أو مثلما قال بوعشرين في كلمته الأخيرة قبل سماع الحكم عليه إنهن "مجرد حطب حرب". هذا الأمر خطير للغاية، ويناقض تماما مانقوله عندما نسمع عن تعرض فتيات ونساء خارج الوطن لأفعال جنسية غير لائقة. نسارع حينها إلى إبداء تضامننا معهن، وإدانة المتهم سواء كان فنانا أو مغنيا أو مخرجا سينمائيا أو منتجا أو مفكرا أو أي شيء من هذا القبيل، ولنتذكر فقط يوم تم العفو عن طريق الخطأ على دانييل غالفان المتهم بتهم لاأخلاقية الضجة الكبرى التي وقعت… في حالة المتهم بوعشرين، نسي البعض هذا المبدأ وكل الشعارات، وقرر أن يحكم من تلقاء عواطفه، لا من تلقاء ما تم نشره من أدلة وبراهين وصور وتسجيلات، بل - وهذه نقولها لأول مرة - من اعترافات لبعض معارف وأصدقاء الرجل كانت تتحدث قبل اندلاع هاته الفضيحة بكثير عن أشياء غير واضحة في هذا الجانب الجنسي بالتحديد، مما كنا نرفض سماعه وكنا نعتبره شأنا خاصا ولا يليق بنا، ونحن في مقدمة المدافعين عن الحريات الفردية أن نستعمله ضده حتى عز أوقات خصومتنا معه، وفي عز اتهامه لنا وهو حر طليق بأقذع الأوصاف وأشنع التهم.. ثانيا: البعض استبق حكم القضاء قبل أن يعرف حتى سبب اعتقال بوعشرين، والكل كان يتصور في اللحظات الأولى لذلك اليوم العجيب الذي يحمل تاريخ 23 فبراير من السنة الفارطة أن بوعشرين قد اعتقل بسبب مقالاته التي ينشره، أو لأسباب مالية تتعلق ببعض "المساعدات" الخارجية القادمة من هنا ومن هناك… لذلك ذاع وشاع في اللحظات الأولى للاعتقال هاشتاغ : #الصحافة-ليست-جريمة، قبل أن يتضح مع بداية الأسبوع الموالي لجمعة الاعتقال أن القضية لاعلاقة لها بالصحافة، ولا علاقة لها بمال الأصدقاء، بل هي مرتبطة باتهامات لا أخلاقية خطيرة جدا. هنا كان من الممكن قبل تبني المواقف العمياء سواء بالشماتة والتشفي من طرف خصوم وأعداء بوعشرين، أو بالتضامن الأعمى من طرف أنصاره وأصدقائه، التساؤل بشكل بسيط وعادي عن صدقية الاتهامات، وعن الأدلة المتوفرة عليها، وفي حال التأكد من أن الأمور وقعت فعلا إدانة التصرفات، والانتصار للطرف الأضعف في الحكاية كلها أي النساء، خصوصا في مجتمع محافظ ظاهريا مثل المجتمع المغربي، لن يرحم سمعتهن على الإطلاق. في هذا الصدد لابأس من التذكير بموقف رصين للغاية حاول الدفع إليه في بداية هذا الملف النقيب بوعشرين الذي تحدث عن "فساد بإرادة الأطراف كلها" عندما رأى الفيديوهات، واطلع على بعض من تفاصيلها. للأسف الشديد تم إسكات النقيب العاقل بوعشرين بترهات ارتكبها بعض من انبروا للدفاع عن المدير المتهم وحولوا ساحة المحكمة إلى سيرك تهريج، واستعملوا ألفاظا نابية، بل تورطوا في إخفاء شاهدة في صندوق سيارة أحدهم (تصوروا أين وصل الحمق بهؤلاء)، وهو ماجعل النقيب العاقل ينسحب من القضية كلها وهو يردد : ومع ذلك فهو فساد وكفى، أسوة بالمقولة الشهيرة : ومع ذلك فهي تدور… ثالثا: أن يكون بوعشرين صحافيا هو أمر لا يعطيه أبدا الحق في امتياز لا يتوفر لبقية المهن. وتخيلوا أن تلجأ كل مهنة سقط منتسب إليها في نفس ما يتهم به القضاء المغربي بوعشرين إلى نفس الطريقة أي إلى اتهام العدالة أنها تفبرك الملفات، وتصنعها وتفرض على القضاء الحكم بموجب رغبتها أين سنصل، وهل سيبقى معنى لساحات القضاء وللجوء إلى العدالة للفصل بين مواطنين يعتقدون أنهم تضرروا في مواجهة مواطن آخر يتهمونه أو تتهمنه بأنه سبب الضرر الواقع عليهم وعليهن؟ الحل السوي اليوم هو العودة إلى العقل، والابتعاد عن الاستماع لمن يرفضون الانصياع لصوت القانون، والذين قرروا على مايبدو حل كل الإشكالات العالقة بين الناس في هذا البلد باللجوء إلى الشعارات وإلى منطق "كبرها تصغار"، وإلى جمل مرعبة وغاية في الإدهاش مثل "لن نسلمكم أخانا"، وغيرها من أوجه الحمية الجاهلية والقبلية التي لا تنتمي لوقت الناس هذا، ولاتنتمي لمنطق الدولة بل هي إلى منطق "السيبة" أقرب. هذا مانعرفه في هاته الحكاية وقد قلناه، وهناك أمور أخرى لا نعرفها لذلك لايمكن أن نتحدث عنها، وهناك أمور ثالثة نتعمد ألا نعرفها ولا نريد أن نعرفها، لأننا نرفض منذ بدء البدء إطلاق النار على سيارات الإسعاف، ونعتبر أن الستر مطلوب في نهاية المطاف عملا بمايردده المغاربة دوما وأبدا ومنذ القديم "الله يرحم ضعفنا"، وكفى …