أصدقاؤنا من السياسيين المغاربة لديهم مشكل تواصل حقيقي مع الشعب الذي يقولون إنهم يمثلونه. للاستدلال على ذلك تكفي رؤية حلقة «مباشرة معكم» يوم الأربعاء الفارط. ولاواحد من الحاضرين قال شيئا يهم الشعب المغربي فعلا لا من قريب ولا من بعيد. الناس ضاربة على عرامها، و«كل حزب بما لديهم فرحون» مثلما تقول الآية الكريمة. وحده المغربي البسيط غائب عن استراتيجيات متحدثي التلفزيون. وحده المغربي البسيط لامحل له من الإعراب في كل مايقوله هؤلاء. البعض منهم يرى في الصراخ والحديث في كل الأشياء دون رابط موضوعي أو منطقي بينها الحل. والبعض الثاني يعتبر أن أخذ المسافة منا جميعا مع الحفاظ على شعرة معاوية الشهيرة هو مسلكه للوصول. والبعض لايعتبر شيئا. هو ماض في طريقه لايلوي على شيء، ويعرف أن هامش المناورة لدى الناس هو هامش صغير، لذلك لايهتم بهم ولا بآرائهم قدر اهتمامه بوضع بيضه في السلة المناسبة تلك التي ستمكنه من الوصول يوما إلى مايشاء. ومع ذلك هناك بعض الملاحظات، وعلى رأسها أن السياسة لعينة في المغرب إلى حد لايتصور أبدا. وإلا فكيف يمكن أن نصف شعور رجل مثل مصطفى المنصوري رئيس مجلس النواب السابق الحالي وهو يتفرج على عملية جلده التلفزيونية تلك أمام الجميع دون أن يملك حق الرد، بل دون أن يملك حق الحضور إلى البلاتو حتى. الكل تبارى في وصف حالة المجلس السيئة، والكل قال إن الراضي هو الحل المرتقب للخروج بالمجلس من حالته القاتلة، لكن لاأحد قال في قرارة نفسه إن المنصوري لازال حتى إشعار آخر رئيسا للمجلس وأنه من الممكن دون انشغال كبير بتبرير وصول الراضي مرة أخرى أن يتم احترام السيد القابع في منزله ينتظر قضاء الله وقدره قبل أن يغادر السياسة نهائيا بعد أن نزل القرار بذلك في المغرب اليوم. حالة فريدة؟ ليس إلى هذا الحد. فالحلقة حبلت بما لذ وطاب من المغربات المغربية، ولعل أبرزها أن ممثل العدالة والتنمية في بلاتو الأربعاء لايؤمن بالتاريخ كثيرا، بل يفضل عليه اليوم والحاضر. ليس في كل شيء، بل في نقاش «ماذا قدمتم خلال سنوات الرصاص للمغرب؟». هنا يهرب «البي جي دي» لكي يقول «حنا ولاد اليوم»، أما حين يكون النقاش عاما فاليوم يصبح سيئا للغاية، ولم يتحقق فيه أي شيء إيجابي للمغرب كله. تناقض؟ ماشي بزاف. فالسياسة في المغرب مبنية على كل المتنافرات، بل إن شخصا في برنامج «حوار» يوما واحدا فقط قبل «مباشرة معكم» أعطى للكل الإيقاع وحدد لنا تعريف السياسة مثلما يقدمها التحليل السياسي المفترى عليه في وطننا، وهي أن «السياسة شانطاج». هو أراد أن يقول مقايضة، لكن الترجمة الفورية لم تسعفه ومعها البداهة، فخرج الخطأ الدال الجميل. ذلك أن الشانطاج هو الذي نحياه باستمرار في حياتنا السياسية منذ أن بدأنا في التذكر. «تاخدو البصري والتناوب ولا ماتاخدو والو، تاخدو الفاسي والمنهجية الديمقراطية ولا ماتاخدو والو». وغدا ماذا؟ ما الذي سيتم اقتراحه على شعب مل لعبة الشانطاج هاته، ويريد فقط اختيارات سياسية حقيقية يفاضل بينها ويقول لنفسه «هانا بحالي بحال الشعوب الأخرى، عندي أحزاب حقيقية ماشي الخشيبات». طبعا ماشي كلشي خشيبات، وطبعا «ماشي ولاد عبد الواحد كلهم واحد»، وطبعا لانتحدث عن عبد الواحد الذي سيعود إلى منصبه الدائم في المجلس. نحن نتحدث عن «شي عبد الواحد خرافي» علمنا الآباء منذ القديم أنه المثال الذي يلزمنا لكي نقول لأنفسنا إن الأشياء مثل بعضها وأن «البقر تشابه علينا» مثلما جاء في القرآن الكريم مرة أخرى. هذا العبد الواحد اتضح في الختام أن أبناءه لايكتفون بالتشابه مع بعضهم فقط, لكنهم توائم كاملو التوأمة، «فري جيمو» يقول هواة التحذلق بالمصطلحات الفرنسية، أو استنساخ كامل سيقول هواة النعجة دولي وعمليات الاستنساخ الغريبة التي ستغير يوما الجنس البشري كله. الجنس البشري كله، أو تقريبا كله، لأن الجنس السياسي المغربي سيظل باستمرار عصيا على التغيير، وسيحافظ مهما تقدمت السنوات على جلد فرس النهر الذي يمكنه من تلقي كل الضربات، وتحويلها لصالحه باستمرار، دون أن يعبأ كثيرا بصرخات الاستغاثة التي يطلقها الشعب تجاهه، ودون أن يحفل بعبارات التأنيب التي تأتيه من فوق. الجنس السياسي المغربي لايحس، حرمه الله من نعمة الشعور. لذلك هو مرتاح، وسيواصل ارتياحه فترة إضافية من الوقت كافية لكي يبيد فيها وخلالها الشعب كله، دون أدنى إشكال. في انتظار الإبادة، سنحارب العزوف. العزوف عماذا بالتحديد؟ «ماشي المهم». المهم هو أن نحارب العزوف. ممتاز ورائع لكن مكلف بشكل كبير للبلد بأسره، حاضرا، وفي المستقبل وهذا أخطر ما في الأمر. ملحوظة لاعلاقة لها بما سبق اليوم يلتقي ريال مدريد بليونيل ميسي. إذا ماأردنا تقديم لقاء الكلاسيكو الكبير بين الريال وبين البارصا عشية هذا اليوم، فلن نجد أفضل من هذا التقديم، خصوصا وأننا بشهادة الجميع، نعيش عصر الفتى الذهبي الحقيقي. قلوب العالم كله اليوم تنبض مع الريال لاحبا في الفريق الملكي، ولكن خوفا عليه فقط وإشفاقا مما يمكن أن يفعله فيه الفتى الأرجنتيني الجميل، إذا ماحضرت العبقرية كلها ومعها الجنون الكروي العظيم. آراك للفراجة، والحديث بعد اللقاء طبعا.