التلفزيون صورة. والصورة التي علقت بذهن الناس الذين شاهدوا يوم السبت الفارط برنامج القناة الأولى "كوميديا شو" وهو يحتفي بعيد ميلاده الأول استوعبوا صورة واحدة، هي أن الجرائد تصلح فقط للسير عليها. للدوس على ماتكتبه بالأقدام، ولوضعها لحماية البلاتو من الصباغة. أحدهم، وأنا أفترض أنه "مطور بزاف" إما حقيقة وإما مجازا، اختار تلك اللقطة التلفزية الدالة جدا لكي يعبر باسم التلفزيون المغربي عن كل الاحترام الكبير الذي يكنه الناس الواقفون وراء برمجة التلفزيون الرسمي لعمل الجرائد والصحف في بلد مثل المغرب. جرائد بالعرام موضوعة على الأرض، والشباب من خريجي هذا البرامج يدوسون عليها بالأقدام، هم وضيوف البرنامج الذين لم يستطع أي واحد منهم ان يطرح السؤال: ما الذي تعنيه لقطة مثل هذه تلفزيونيا ؟ وما الذي تقدمه من رسائل للجمهور المشاهد مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجمهور الذي يشاهد هذه النوعية من البرامج هو جمهور يافع في أغلبه؟ الرسالة الأبرز هي أن الجرائد والصحافة و"القراية" بصفة عامة تصلح لهذا بالتحديد: أن ندوس عليها بالأقدام. والبديل ماذا؟ البديل هو أن نتحول جميعا إلى مهرجين من الدرجة الدنيا، علينا أن نقذف بعضنا البعض بالصباغة لكي نستجدي ضحك المشاهدين. أن نفرغ السخرية من كل معانيها وأن نضحك فقط من بعضنا البعض، من عاهات تيكوتا، من اعوجاج مرشحي الشمال، من لون باسو، من لكنة جواج العروبية، من التبوزيق الفارغ الذي يقمه ادريس ومهدي. "شي حاجة ديال العمق؟". الله يجيب. لايوجد لدينا دابا، أو نفذ من الأسواق. المتوفر اليوم في التلفزة المغربية هو هذا النوع من السقوط فقط, ومن ينتقد هذا السقوط مآله الدوس على منتوجه بالأقدام. دعونا نوضح مسألة هامة ونحن نتحدث اليوم عن هذه الرسالة الخطيرة التي مررها تلفزيوننا المحترم لكل مشاهديه يوم السبت الفارط. سيقول البعض إن القصد لم يكن متوفرا وإن المسألة استعملت بعفوية تامة مسألة الجرائد هاته. وهنا سيكون العذر أقبح من الزلة كثيرا. إذ أنني أتمنى من قلبي أن يكون أصدقاؤنا في برنامج "كوميديا" قد قصدوا وضع الجرائد في تلك الوضعية المهينة، لكي يرسلوا عبرها رسالتهم أو "ميساجهم" لمنتقديهم، لأن المشكلة في حال العكس أي في حال عدم إلمامهم بما قدموه وفظاعة ماقدموه ستكون كارثية، وستعني أنه من الممكن أن ننتظر أي مصيبة على يد هؤلاء القوم في تلفزيوننا في القادم من الأيام. وليس مستبعدا أن نجدهم يدوسون على العلم الوطني مستقبلا في واجد من سكيتشاتهم المثيرة للشفقة، أو أن نرى صورة من صور ثوابتنا تتعرض للإهانة، أو ربما تصل المسألة للمقدسات، إذ لايمكنك أبدا أن تتوقع مايمكن أن يفعله لك وبك من لايقدر حقية عواقب وخطورة مايفعله. وهنا ندخل منعطفا حقيقيا في هذا النقاش لابد من طرحه هو الآخر: مغزى الصور التلفوينية التي تقدمها لنا تلفزتنا مع طرح السؤال: هل يوجد في تلفزيوننا الموقر من يقرأ الصور التلفزيونية قبل بثها على الناس؟ هل يتوفر جهازنا المرئي الرسمي الأول في البلد على جهاز معين يقدم معاني الصور التي تصل إلى المشاهدين؟ لاأتحدث عن الرقابة، ولكن أتحدث عن القراءة التلفزيونية الواعية بالصور ومعانيها ومغازيها وماتريد إيصاله إلى الناس. حقيقة "ماعندي حتى مشكل مع الضحك"، وأموت فعلا في الساتير الحقيقية وأعتبر نفسي مدمن"غينيولات" وأعمال ساخرة من بيني هيل إلى غاد المالح مرورا بجمال وبوجناح وبودوس وتييري ليرون وكوليش و"الدراري" الجدد في "جمال كوميدي كلوب"، وطبعا مرورا بكل الساخرين المغاربة والعرب الكبار، من بزيز لعادل إمام، وأعترف أن في "كوميديا" وليدات لدى بعضهم طاقات سخرية فعلية للأسف الشديد يتم تمريرها في اتجاه خاطئ تماما، وأعشق "شي حاجة سميتها الدوزيام دوغري" في الضحك بل حتى "التروازيام دوغري" إذا وجدت القادر عليه. لذلك لاعقدة لي في هذا المجال، إلا أن كل هذا لايمنعني من ملاحظة عديد الخسائر في هذا البرنامج التي توجها بفضيحة السبت الفارط وهو يقول للمغاربة عبر تلفزيونهم: هاماكتسوا الجورنانات حقا. بالنسبة لتلفزيون يقول عن نفسه إنه يؤدي خدمة عمومية، ليسمح لي كثيرا السيد فيصل العرايشي، ولكننا رأينا خدمات عمومية أفضل من هاته بكثير. وبالنسبة للهيئة التي تسمى الهاكا والتي يرأسها الحكيم الغزالي، أقول إنه لابأس من الإطلالة على حلقة السبت الفارط، وقراءتها القراءة الصحيحة، وإعطائنا بعد ذلك الرأي السديد في المسألة. أما من جهتنا فلا التباس: الذين حاربوا تعليم الشعب منذ عقود بالقمع والهراوة، يشجعون اليوم شعبنا على المزيد من الجهل المركب لكن هذه المرة بطرق أكثر ذكاء وأكثر عياقة. هذا هو الميساج، ومن غيرو والله يلا كدوب فكدوب. وسير عالله كيفما ديما. ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق الكلام الذي سمعناه بخصوص وضعية فرق الإنقاذ عندنا بمنسابة سقوط أخ الرئيس الإماراتي آحمد بن زايد آل نهيان يضع المغرب أمام صورته الحقيقية. الكل اقتنع فور ذيوع النبأ أن المغرب لن يعثر على القيادي الإماراتي، والدول الشقيقة والصديقة سارعت لإرسال فرق إنقاذ حقيقية لكي تنقب بشكل فعلي على السيد وتعيده لأسرته إن حيا أو لاقدر الله راحلا. في مثل هذه الحالات يتحسس المغربي البسيط رأسه بين كتفيه، ويقول "ناري ميمتي، راحنا غير في يد الله وصافي، ماكاين والو"، ويمضي.