تتعدد المهرجانات وتتنوع فقراتها وتنتهي من دون أن تخلف أثرا انسانيا أو فنيا على المحيط الذي نظمت فيه، لأن أهدافها غير مسطرة بشكل احترافي، لتتلمس البعد الإنساني الذي ينفض الغبار عن الغنى اللامادي ، ويعيد الروح للقيم التراثية في أبعد حللها. هذا ما حققه المهرجان الدولي للعود بتطوان، المنظم أيام 22،23،24،25 أبريل 2019، من طرف وزارة الثقافة والاتصال وبتعاون مع ولاية تطوان ،تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وصول هذا المهرجان إلى دورته الواحدة والعشرين، في انتظار الاحتفال باليوبيل الفضي إن شاء الله، لدليل قاطع على جدية الساهرين عليه، لا من حيث التنظيم أو اختيار فقراته والفنانين المكرمين والعازفين ومنشطيه. اجتمع الكل على الانخراط في الاحتفاء بالتنوع الثقافي والانفتاح على الاخر بغاية تكريس سجايا التسامح وتشجيع التعابير الموسيقية الجميلة. لم يكن هذا المهرجان مجرد أمكنة للتلاقي فقط، بل فضاءات مليئة بالأحاسيس الراقية التي جمعت الكل، من منظمين وضيوف وجمهور. الكل تناغم مع فقرات هذا المهرجان بجوارح جياشة تلألأت خلاياه طيلة أربعة أيام التي كانت مناسبة لاستحضار أفاق البعد الانساني الذي راهن عليه الساهرون على هذا المهرجان، والذين لم يكونوا مجرد منظمين فقط، بل ضموا أحاسيسهم الراقية لفقراته. حسنا فعلت وزارة الثقافة والاتصال حينما احتضنت المهرجان الدولي للعود، وتشبثت باستمراريته رفقة المنظمين، رغم كل الاكراهات. بفضل هذا المهرجان، أصبحت مدينة تطوان عاصمة للفن الراقي، وقبلة لكبار الفنانين الذين يتمنون حضور فعالياته للقاء جمهوره الراقي التي يتمتع بحس فني جميل جدا، وتواق للفن الأصيل. احتفلت دورة هذه السنة بمملكة البحرين الشقيقة كضيف شرف، تعميقا لأواصر الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين الشقيقين ،من خلال حضور متميز لثلاثي ميلوديك بقيادة فارس العود الأستاذ سعد محمود جواد. كما تضمن فقراتها تجارب موسيقية متميزة ورائدة ،من لحظاتها القوية حضور محمد بولات من تركيا وأمين مرايحي من تونس وثلاثي أحداف من هولندا ونخبة من العازفين المغاربة المرموقين، كادريس النكرة، هشام التطواني، حمزة الشرايبي وغيرهم. هذا وقد شهدت خشبة مسرح اسبانيول فسحة جمالية من أجل تبليغ رسالة سامية تسعى للارتقاء بالأذواق والتعبير عن مغرب منفتح على كل الثقافات والحضارات. وتقديرا منها لقيمة المبدعين المغاربة، ودورهم الرائد في إرساء دعائم نهضة فنية بناءة، كرمت وزارة الثقافة والاتصال في حفل افتتاح هذه الدورة، وعلى غرار التقليد الذي سنته طيلة السنوات السابقة، أحد أعمدة الموسيقى والطرب المغربي العصري الملحن والمغني الأستاذ كريم التدلاوي، لعطاءاته المتميزة، ومساهمته في إغناء الخزانة الموسيقية المغربية حيث نجح في تحقيق المعادلة الصعبة، التوليف بين الأصالة والمعاصرة. كما تم في حفل الاختتام منح جائزة الزرياب للمهارات لسنة 2019 للفنان والموسيقار الأستاذ نعمان لحلو ، تقديرا لمساره اللامع ودوره البارز في التجديد وتطوير الموسيقى العربية والمغربية وعمله الإبداعي المتسم بالرقي والبهاء. كما شارك إلى جانب العازفين المغاربة المهرة فرق وعازفون لهم شهرتهم العالمية. يبقى مهرجان العود مفخرة المغرب من طنجة إلى لكويرة على أرض عروسة الشمال. الفنانة سميرة القادري المديرة الفنية للمهرجان كانت كالنحلة الشغالة، واستطاعت أن تضفي عليه لمسات فنية، كما نجحت في اختيار فقراته بحنكة واحترافية. هكذا حقق المهرجان الدولي للعود أمنيتنا ولوفنيا ونحن نردد " بلاد العرب أوطاني...من الشام لبغداد ومن نجد إلى يمن ...إلى مصر فتطوان...."