إلغاء زواج القاصرات، قضية مجتمعية أخرى، ماتزال بعيدة عن تحقيق التوافق السياسي أساسا حولها. وهذا ما كشفه وزير العدل، محمد أوجار، حينما اعتبر أن « بلورة موقف متقدم من مسألة زواج القاصرات، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبارات التوازنات القائمة والخصوصية المغربية». واعتبر أنه من الضروري أن يراعي الموقف السياسي والقانوني إزاء هذه القضية الخصوصية المغربية. وزير العدل، الذي كان يتحدث في لقاء نظمه صباح الجمعة 22مارس 2019 المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشراكة مع مجلس أوروبا حول موضوع «تزويج القاصرات: إلغاء الاستثناء.... تثبيت القاعدة القانونية»، قال :« لا بد من إنتاج موقف يراعي الخصوصية المغربية». و أضاف الوزير مؤكدا :«هناك تحديا حقوقيا وبكل نزاهة يجب الإقرار بتعدد وجهات النظر بين مؤيد ومعارض لزواج القاصرات، وأنه لكل فريق حججه». وأوضح :« نحن في وزارة العدل ننتصر للمقاربة الحقوقية المحضة مع الإقرار أن معالجة هذه الظاهرة تقتضي مزيدا من الترافع». وفي خضم إشارته إلى مجمل التعديلات، التي كانت أتت بها مدونة الأسرة قبل خمس عشرة سنة، والتي قال إنها (مدونة الأسرة) لعبت دورا كبيرا في حماية الأسرة، اعتبر أوجار أن القضاة يتحملون مسؤولية التطبيق السليم للمادتين 19و20من المدونة، علما أن الأولى حددت سن الزواج في 18سنة والثانية تضمن الاستثناءات التي تتيح تزويج الفتيات دون السن القانوني. هذا، ولم يُخف الوزير الإقبال على هذا "الزواج" كما تعكسه الأرقام المتوفرة لدى وزارته. إذ ذكر أن 2011 عرفت إبرام 39 ألف عقد زواج يهم القاصرات بما يعادل نسبة 11% من مجموع حالات الزواج. لكنه، الرقم، الذي عرف تراجعا ليصل في 2018 إلى 25 ألف حالة، بنسبة 9.13% من مجموع عقود الزواج المبرمة. وهو ما دفع بالوزير إلى القول إنه، مع ذلك، الرقم الذي يظل «مخيفا ومرتفعا رغم كل الجهود المبذولة على مستوى التوعية والتحسيس». وأكد أوجار أن المادة 20 قيدت هذه الاستثناءات حيث « سمحت بتوثيق الزواج ممن لم تبلغ السن القانونية تحت شروط واضحة تتمثل في وجود مصلحة لإبرام هذا النوع من الزواج.و حصرت الاستثناء بعدة إجراءات قانونية كي لا تحدث تجاوزات، وأولها أن يكون هذا النوع من الزواج تحت سلطة القاضي، وأن يكون مبررا بعد الاستماع إلى ولي أمر القاصر وإجراء خبرة طبية». وذكَّر الوزير بمنشور رئيس النيابة العامة، الذي دعا القضاة إلى احترام الشروط والإجراءات القانونية في منح الإذن بزواج القاصرات. لكن، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، اعتبرت وبحسم أن زواج القاصرات يتعارض مع الاعتبارات الدستورية والقانونية، التي كفلت الحقوق الأساسية كالحق في التعليم والسلامة الجسدية والمعنوية للأفراد. وأوضحت في كلمته أن زواج القاصرات، لم يعد استثناء بقدر ما أضحى قاعدة عكسها ارتفاع عدد حالاته عبر المغرب على مدى 15سنة من تطبيق المدونة، «يتعارض مع قانون مناهضة العنف ضد النساء، ومع التزامات المغرب الدولية ومنها اتفاقية حقوق الطفل، والمادة 23 من العهد المدني للحقوق السياسية والمدنية التي تنص على حقوق الأفراد في الموافقة الحرة على الزواج». وأكدت بوعياش أن هذه الاعتبارات هي الإطار المرجعي للحملة الوطنية، التي يخوضها المجلس، لأجل إلغاء تزويج القاصرات. إذ أطلق المجلس حملة وطنية تحت شعار: "تزويج القاصرات: إلغاء الاستثناء...تثبيت القاعدة القانونية " مابين 6 إلى 16 مارس 2019 في إطار تخليد اليوم العالمي للحقوق الإنسانية للنساء، الذي يصادف 8 مارس من كل سنة، وتماشيا مع توصيات خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان القاضية بمواصلة الحوار المجتمعي حول مراجعة المادة 20 من مدونة الأسرة المتعلقة بالإذن بزواج القاصر . وقد برمج المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبر لجانه الجهوية لحقوق الإنسان سلسلة من الأنشطة التحسيسية والتوعوية وحلقات النقاش من أجل تدارس موضوع تزويج القاصرات من مختلف الأبعاد والزوايا وإغناء النقاش العمومي حوله وكذا الوقوف على أهم مؤشراته جهويا.