صدر حديثا عن دار رؤية للباحث مصطفى معوض مدرس الفكر الإسلامى المعاصر بكلية البنات عين شمس بالقاهرة دراسة بعنوان «مشكلة عورة المرأة وملبسها، مراجعة الأدلة والحجج»، ولأن هذه الدراسة تتعلق بالحجاب، فقد أثارت كثيرا من النقاش وردود الفعل في الصحافة المصرية والعربية. وكان قد صدر للمؤلف فيما سبق مجموعة من المؤلفات من بينها «مفهوم الاختلاط بين الجنسين واختيار شريك الزواج فى الإسلام، والفكر العربى المعاصر». يطرح الباحث قضية الحجاب والنقاب انطلاقا من الواقع المعاصر، بعد شوط طويل من تفنيد الأدلة والأسانيد والاستشهاد بالأحاديث النبوية والآيات القرآنية وتفاسيرها، مفندا حجج العلماء والفقهاء فى شرعية الحجاب، ليستخلص فى النهاية أسبابا أخرى أدت إلى انتشار الحجاب فى المجتمع المصرى والدول الإسلامية عموما فى الفترة الأخيرة، مؤكدا تنوع هذه الأسباب ما بين اجتماعية واقتصادية وسياسية، أى أنها فى النهاية ليست أسبابا دينية، إلا أنه يتم إلباسها ثوبا دينيا بالباطل (الحق أن الحجاب والنقاب هما جزء من منظومة ثقافية سياسية اجتماعية اقتصادية متكاملة، وظيفتها الأساسية هى السيطرة الاجتماعية على السلوك النسائى، وإحداث المزيد من التكيف الاجتماعى مع الأوضاع الاجتماعية القمعية). ويورد الباحث أمثلة وأدلة كثيرة على دور العامل الاقتصادي فى انتشار الحجاب الذى تم التعارف عليه فى المجتمع المصري على أنه طرحة تغطي الشعر وتسدل وراء الكتفين، فهو الوسيلة الأسهل والأرخص لدى معظم الفتيات اللائي لا يستطعن تصفيف شعرهن باستمرار نظرا لخشونته وهي سمة غالبة على معظم شعوب المنطقة. وكذلك عدم قدرتها على الذهاب إلى مصفف الشعر كل فترة «أسبوع مثلا» لتصفيف شعرها، أو عدم القدرة على توفير المساحيق التى تتناسب مع مظهر الشعر، فيتحول الشعر من جزء دال على جمال المرأة إلى عبء عليها تحاول تغطيته بهذا الحل السهل الذى يلجأ إليه معظم من يرتدين الحجاب. وهنا يذكر الباحث واقعة طريفة أوردها الباحث الإسلامى جمال البنا فى كتاب «الحجاب» وهي أن نجمة السينما البريطانية المشهورة «سارة مايلز» فاجأت مستقبليها فى أحد المؤتمرات السينمائية بالقاهرة بشعر ملفوف فى إيشارب، وقالت لهم إنه يصعب عليها تصفيف شعرها إلا لدى حلاقها الخاص فى لندن، ولهذا فإنها ببساطة تلفه فى إيشارب. كما يذكر الكاتب أسبابا اجتماعية لارتداء الحجاب مثل الخوف من عقاب ولي الأمر أو الزوج أو مقاطعة العائلة، كما أن بعض الفتيات يتحجبن لتفادي المضايقات والمعاكسات فى الطريق العام، أو لأسباب نفسية، بدافع الكسل مثلا، أو تكيفا مع سيكولوجية القطيع والتكيف مع بقية الأفراد، ولا يستبعد الباحث أن يكون من ضمن أسباب انتشار الحجاب التحولات السياسية الدينية الشكلية التي تعرضت لها مصر فى عهد الرئيس السادات عندما حاول تحجيم الاتجاهات اليسارية لصالح الإسلاميين. بالإضافة إلى التأثر بالفكر الوهابي والحنبلي الوافد من الخارج، ويؤكد الكاتب أن هذه الأسباب جميعا أو بعضها قد تشترك فى دفع الفتيات أو النساء إلى ارتداء الحجاب، إلا أنهن لا يعترفن بذلك، بل يعتبرن الدين هو أساس اختيارهن للحجاب.