«إذا كان استقلال القضاء يتجسد في استقلال القاضي، الذي يتجلى في حمايته من مختلف التأثيرات، فإن تحقيق هذا النوع من الاستقلال ليس رهينا بسلطات الدولة وحدها، بقدر ما يتطلب شجاعةً من القاضي في الدفاع عن استقلاله .. ولكنه يحتاج كذلك إلى مساهمة المحامي في حماية استقلال القضاة والدفاع عنه»... هكذا اختار الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي أن يخاطب أصحاب البذلة السوداء، الملتئمين أمس الخميس بمدينة وجدة في اجتماع المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، الذي تحتضنه عاصمة المغرب الشرقي، بضيافة من هيأة المحامين بوجدة، أيام 25، 26 و27 أكتوبر الجاري. وقال رئيس النيابة العامة إن «الدفاع عن استقلال القضاة لا يتأتى بمجرد رفع الشعارات»، ولكنه «يتحقق بالمواقف الشامخة التي طالما عبر عنها النقباء والمحامون وهيئات الدفاع التي ترفض ممارسة كل أساليب الضغط على القضاة للتأثير في قناعاتهم وأحكامهم، بأساليب مثل تحرير العرائض أو تنفيذ الوقفات الاحتجاجية للتأثير على القضاء». واعتبر عبد النباوي أن «الدفاع عن استقلال القضاء من صميم أخلاقيات مهنة المحاماة الشريفة»، الذي «يجب استحضاره من طرف المحامي، سواء أثناء ممارسة مهام الدفاع أو بمناسبة الخوض في قضايا العدالة في منابر أخرى، حيث يقتضي شرف المهنة أن يتم التعبير عن الأفكار وبسط الانتقادات باحترام لمقام القضاء، الذي يعتبر المحامي – في المغرب – جزء منه». كما أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن «سلوك المحامي خلال ممارسته مهامه، ليس محكوما بقواعد المسطرة والقوانين الإجرائية وحدها»، ولكنه «ينبغي أن يستحْضر نبل مهنة المحاماة وقدسية رسالة هيئة الدفاع...»، التي يبقى «الأصل فيها نبل الشرف وخدمة العدالة ومساعدة صاحب الحق على أخذه ومقاومة الباطل والمبطلين». وبحديث رئيس النيابة العامة،في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لأشغال المكتب الدائم المحامين العرب، عن (النبل والشرف)، أشار إلى أنها «قيم يتطلب استحقاقها جهاد النفس ومقاومة الأهواء .. ويتطلب الاحتفاظ بها مثالية في السلوك وانضباطاً لأخلاقيات المهنة ومقومات الشرف ونزاهة الضمير ..»، وهي خصال - قال الأستاذ عبد النباوي - إن «المحامي يرتديها مع بذلته، ويكاد يتنفسها كالهواء الذي يملأ رئتيه». ولأن «إصلاح أجهزة العدالة ومؤسساتها لا يستقيم دون صراحة ووضوح- يقول عبد النباوي- فإن دور القضاء جوهري في ذلك، وهو مطالب بإصلاح ذاته وتطهير صفوفه»، و«مطالب بالمساهمة في تخليق المهن القضائية والقانونية، ودعم مواقف هيئات المحامين الرامية إلى تحقيق ذلك»، معتبرا ذلك «التزام من النيابة العامة»، تنتظر مناقشته مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، ومساندتها في تنزيله على أرض الواقع في الحدود التي يسمح القانون للنيابة العامة بممارستها.