دبي, 19-10-2018 - تحول الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي رجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقتله، من مقر ب من دائرة الحكم في الرياض، إلى أحد أبرز المنتقدين لسياساتها. في آخر مقالاته المنشورة في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، طالب خاشقجي، صاحب السيرة المهنية الطويلة المعقدة والمتقلبة، بحرية أكبر للإعلام العربي في منطقة الشرق الاوسط. وكتب في المقال الذي نشرته الصحيفة بعد أسبوعين على اختفائه في اسطنبول أن "العالم العربي يواجه نسخته الخاصة من ''الستار الحديدي'' المفروضة عليه ليس فقط من لاعبين خارجيين، ولكن أيضا عبر قوى داخلية تواقة للسلطة". وأضاف "علينا أن نخلق منصة للأصوات العربية". وفقد أثر خاشقجي، وهو أحد الأصوات المنتقدة للسياسات السعودية منذ تسلم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منصبه في يونيو 2017، بعدما دخل قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من أكتوبر للحصول على مستندات زواج. وكان خاشقجي انتقل في 2017 للعيش في منفى اختياري في الولاياتالمتحدة خشية التعرض للاعتقال في السعودية التي شهدت حملات توقيف شملت كتابا ورجال دين وحقوقيين وناشطات في حقوق المرأة وأمراء وسياسيين. وأفادت تقارير صحافية في تركياوالولاياتالمتحدة بمقتل خاشقجي داخل القنصلية. واتهم مسؤولون أمنيون أتراك مسؤولين سعوديين بالوقوف وراء عملية قتله. ونفت الرياض أن تكون أمرت بقتله، وأكدت أنها تجري تحقيقا. وكانت ذكرت أنه غادر مبنى القنصلية. وينتمي خاشقجي إلى عائلة سعودية مرموقة لها أصول تركية. وكان جده محمد خاشقجي الطبيب الشخصي للملك الراحل عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة. كما أن عمه هو تاجر الأسلحة الراحل عدنان خاشقجي. تخر ج خاشقجي من جامعة ولاية إنديانا الأميركية في العام 1982، وبدأ يعمل في صحف يومية بينها "سعودي غازيت" و"الشرق الاوسط". وأرسل لتغطية أخبار النزاع في أفغانستان، وظهر في صورة وهو يحمل سلاحا رشاشا، مرتديا زيا أفغانيا. لم يقاتل خاشقجي في النزاع، لكنه أظهر تعاطفا مع قضية المجاهدين في الحرب في الثمانينات ضد الاتحاد السوفياتي والتي مولها السعوديون ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه". وأجرى مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان والسودان، ما تسبب له على الأرجح بوصفه "صديق بن لادن" في بعض وسائل الإعلام السعودية والعربية والغربية. لكنه ما لبث أن ابتعد عن بن لادن في التسعينات بعدما أصبح هذا الأخير يدعو إلى أعمال عنف في الغرب. واعتبر خاشقجي في مرحلة لاحقة صوتا للأسرة الحاكمة في السعودية، لكن السلطات اعتبرت أنه تقدمي أكثر من اللزوم. فاضطر إلى مغادرة منصبه كرئيس تحرير في صحيفة "الوطن" اليومية في العام 2003 بعد 54 يوما فقط من بدء عمله فيها. ولد خاشقجي في المدينةالمنورة في 13 أكتوبر 1958، وأمضى سنوات شبابه وهو يدرس الأفكار الإسلامية، معتنقا في الوقت ذاته أفكارا ليبرالية. وأقام خاشقجي علاقات متقلبة مع السلطات السعودية، فتولى مناصب استشارية في الرياضوواشنطن، بينها لصالح الأمير تركي الفيصل الذي أدار الاستخبارات السعودية لأكثر من 20 عاما. وعندما عين الأمير تركي الفيصل سفيرا في واشنطن في 2005، رافقه إلى الولاياتالمتحدة. في سنة 2007، عاد خاشقجي إلى صحيفة "الوطن" وأمضى فيها ثلاث سنوات قبل أن يضطر مجددا للمغادرة بعدما اعتبرت السلطات أن أسلوبه التحريري "يتجاوز الحدود" المرسومة للنقاش في المجتمع السعودي، بحسب موقعه على الإنترنت. وتقرب خاشقجي من الملياردير الأمير الوليد بن طلال، وأطلقا معا في المنامة عام 2015 قناة "العرب" الإخبارية التي توقفت عن العمل بعد 24 ساعة فقط بعدما بثت مقابلة مع شخصية معارضة. ترك خاشقجي السعودية في سبتمبر 2017 بعد أشهر من تولي الأمير محمد بن سلمان (33 عاما) منصب ولي العهد في أغنى دول المنطقة. وفي حينه، منعته جريدة "الحياة" اليومية المملوكة من الأمير السعودي خالد بن سلطان آل سعود من الكتابة فيها، بعد أن دافع في مقال له عن جماعة الأخوان المسلمين. وذكر أن السلطات منعته كذلك من استخدام حسابه الخاص في تويتر بعدما قال إن على المملكة أن تخشى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وغادر الصحافي في خضم موجة الاعتقالات التي شملت مثقفين ودعاة إسلاميين وأمراء بينهم الملياردير الوليد بن طلال الذي أوقف مع آخرين على خلفية تهم تتعلق بالفساد، وفقا للسلطات. وفي مقال كتبه في "واشنطن بوست" في سبتمبر من العام الماضي، قال خاشقجي "عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات وتشويه صورة المثقفين ورجال الدين الذين يتجرؤون على قول ما يفكرون فيه، ثم أقول لكم إنني من السعودية، فهل تفاجأون؟". وتحتل السعودية المرتبة 169 على لائحة من 180 بلدا وضعتها منظمة "مراسلون بلا حدود" للتصنيف العالمي لحرية الصحافة. وانتقد الصحافي الذي كان من المفترض أن يتزوج في أكتوبر الحالي من خطيبته التركية خديجة جنكيز، الحرب السعودية في اليمن حيث تقاتل المملكة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وكان كتب في صحيفة "غارديان" البريطانية في مارس الماضي "يستحق ولي العهد الثناء على برنامجه الإصلاحي في الداخل. لكن في الوقت ذاته، لم يسمح (...) بأي نقاش في السعودية حول طبيعة التغييرات التي يجريها". وتابع "يبدو أنه ينقل البلاد من التطرف الديني التاريخي، إلى تطرفه القائل عليكم أن تقبلوا بإصلاحاتي".