الصحافة والقراءة ! يكون جيدا في عطلة الصيف أن تتاح للمرء فرصة القراءة من جديد. الصحافيون قوم لهم علاقة غريبة جدا مع القراءة، خصوصا صحافيي الصحافة المكتوبة. ذلك أن المفروض في من يريد أن يكتب أن يقرأ كثيرا، لأن الكاتب الجيد مثلما علمنا مبتذل المأثور وشائعه هو القارئ الجيد، لكن أغلبيتنا لاتجد الوقت للقراءة . ومع الكسل وحب الجهل، هناك إضافة جديدة وتبرير أغرب لعدم القراءة انضاف إلينا في السنوات الأخيرة قوامه أن القارئ الذي نتوجه له بمكتوباتنا يريد شيئا بسيطا قابلا للفهم، ولا يتطلب إجادة اللغة فرنسية كانت أم عربية أم أنجليزية أم إسبانية أم عبرية أم غيرها من اللغات التي نقدم بها منتوجاتنا لمتلقيها. النتيجة هي أن الصحف لم تعد تطلب مصححين لغويين لتوظيفهم في هيئات تحريرها، ولم تعد تطلب صحافيين يعرفون أن الفاعل هو مرفوع "من عند الله" دون أي نوع من أنواع المخدرات التي "ترفع" الإنسان المعاصر، وأن المفعول به المسكين هو منصوب نصبا واحتيالا غير قابل لعقاب جنائي، وأن للغة التي يدافع عنها الجميع هاته الأيام كذبا أو صدقا، قواعد لغوية وإملائية ونحوية من الضروري احترامها مثلما هو ضروري احترام الأجناس التي توجد في الصحافة والتي لا يعرف أغلب ممتهنيها في هذا البلد الأمين أنها توجد فعلا، بل يعتبرون الأمر إشاعة مغرضة لقطع الطريق عليهم، ومنعهم من عضوية المجلس الوطني للصحافة، وهذا موضوع آخر.. أسوأ من هذا الأمر هو أن المتلقي الذي يفترض أن يحسن مستواه اللغوي بالاطلاع على الجرائد، (وهو ماحدث لنا في بداية عهدنا بقراءة الصحف إذ كنا نقرأ لكبار القوم فعلا)، أصبح عرضة لتعلم أخطاء الصحافيين الأشاوس الذين يكتبون دون أدنى اكتراث باللغة المسكينة التي يقترفون بها مايكتبون وعندما تضيف انعدام المستوى اللغوي، والأخطاء الإملائية والنحوية إلى الارتكابات الفادحة التي تتم في حق الأجناس التي تشكل هاته المهنة المسكينة التي اخترعها آخرون وشوهناها نحن، لا تدهشك العبارة التي تسمعها من فم بائع صحف في تلك المدينة الشمالية الصغيرة والبعيدة "مابقا كيقرا حد آلأوستاذ، وحتى اللي كيقراو مابقاوشي كيتيقو، كيقراو وكيحركو ريوسهم وصافي زعما راهم عايقين بيك وبداكشي اللي كتقيو (كتديرو)". كل هاته المقدمة الطللية، وكل هاته المرثية التي لم تعد تبكي أحدا هي من أجل الحديث عن فائدة القراءة لمن يريد أن يكتب بعض أو كل أو كثير الأشياء. وفي هذا الصيف وضعت لائحة كتب كثيرة قررت أن أقرأها "ولو على جثتي"، لأنني أتذكر سنوات قديمة مضت وانصرمت وخلت كنت لا أبارح فيها الكتب، ولا يمضي يوم دون أن أطالع مؤلفا أو مخطوطا أو كتابا أو رواية أو قصة أو شيئا من هذا القبيل قبل أن أصاب بلعنة القبيلة التي انتميت إليها، وأصبح من قراء العناوين والإهداءات المكتوبة على عجل وبكثير من المجاملات، ومن مطالعي تلك الكلمات القليلة التي تكتب في الغلاف الأخير للمؤلف قصد اختزاله وتقريب الفكرة العامة من متلقيه والسلام في اليوم الأول للعطلة، وضعت ترتيبا حاسما للقراءة، وقلت : هذا كتاب للصبح، وهذا مؤلف لليل، وبين الفقرتين تذكر العائلة الصغيرة، ومحاولة إقناع الصغار أن هروبنا منهم وعنهم السنة كلها هو لأجل غرض نبيل وخدمة للإنسانية وللحقيقة ولمهنة المتاعب وماإليه من الشعارات الكبرى التي تكبر وتكبر وتكبر إلى أن تصبح غير مرئية بالعين المجردة في اليوم الأول وبعد الانتهاء ومن وضع الترتيب، قلت لنفسي "إن لبدنك عليك حقا، لايعقل أن تبدأ يومك الأول بالمطالعة، لكأنك لم تأخذ عطلة ياهذا، لذلك دع عنك أمر الكتب والأوراق والنظارات واذهب لقضاء وقت ممتع في البحر وغدا مدبرها حكيم" في اليوم الثاني صار الرهان أقوى: رهان جعل السمرة التي ازدادت سوادا تلمع بشمس اليوم الثاني بعد أن ذهب اليوم الأول كله في البحر. الكتب بدت متراصة في ذلك المكان تنتظر دورها، والوعيد تجاهها كان واضحا : في الليل سأقرأ كل سطورك أيتها اللعينة، إنتظري لن تخسري شيئا بالانتظار. اليوم العاشر من العطلة كان يوما حاسما في هاته الحكاية (لاداعي للحديث عن الأيام الفاصلة بين الثاني والعاشر لأنها كانت كلها في البحر) : هذه الليلة سأشرع في القراءة من جديد مع أولى مداعبات النوم تحت تأثير تعب اليوم كله، وذلك النسيم العليل القادم من الأطلسي الذي كان يخترق النافذة، كان العهد صارما، والقسم مغلظا بأيمانه، والوعد لا يقبل أي ضحك: في الصباح وقبل أي شيئ ستنطلق قافلة القراءة للجميع بأي ثمن. المهم، لئلا نطيل على الناس، في طريق العودة، وأثناء التوقف في محطة استراحة لأخذ غرض ما من صندوق السيارة الخلفي أطلت علي رواية "مولانا" لإبراهيم عيسى لكأنها تسألني "مالك؟" خجلت من الرواية، وعدتها خيرا، وقلت لها "فور العودة إلى البيضاء وفور الانتهاء من العيد الكبير ومن تدبر أمر الدخول المدرسي للصغار والدخول الصحافي للجريدة، وفور أن يمر نويل وبعده فصل الربيع المقبل ومع أولى الزهور الظاهرة للعيان وإن أطال الله العمر طبعا سنشرع من جديد في القراءة. إطمئني". ثم لا داعي أصلا لكل هذا العناء. نحن نقرأ يوميا الفيسبوك وتويتر، إذن، ماالذي ستضيفه لنا الكتب والروايات والقصص والمجلات وبقية هاته الترهات؟؟؟ الإسلام الفرنسي يفكك حكيم القروي الإسلامية والإسلاميين في فرنسا بطريقة جد مبتكرة وغير معهودة، ويقدم هذا الباحث التونسي الأصل الفرنسي الجنسية، الاقتصادي التكوين للرئيس ماكرون ولحكومته وثيقة من عشرين ورقة يقترح من خلالها طريقة محاربة الإسلامية الراديكالية التي اجتاحت فرنسا يعتمد حكيم على فكرة أساسية هو القادم من عوالم الاقتصاد والبنك، قوامها أنه من اللازم ضرب الراديكالية الإسلامية في مقتلها الحقيقي: التمويل. لذلك يصر على مراقبة كل المال الذي يتم جمعه باسم الدين، سواء كان مخصصا في الظاهر للإعانات أو جمع المساعدات أو لبناء المساجد أو للحج، لأن كل هاته الأبواب صارت في أوربا مدخلا لجمع مال كثير ينفق على مرتزقة الدين الذين يحملون في نشرات الأخبار وصفا كاذبا هو وصف :المجاهدين. ثم لدى حكيم القروي تصور قريب من تصور محاربة الراديكالية في المغرب، هو تصور الإسلام الفرنسي، إذ يعتقد ويسايره الرأي عدد كبير من المتتبعين أن كل إسلام حاضر في فرنسا حمل مشاكل البلد الأصل معه وصراعاته إلى هناك، فإسلام الخليجيين ليس هو إسلام المغاربيين، وإسلام الأتراك ليس هو إسلام الأفغانيين، لذلك وجب الوصول إلى إسلام فرنسي يراعي مبادئ الجمهورية وقيمها، ويفهم معنى العيش في فرنسا مع الفرنسيين أو بينهم وضرورة ترك كل الأشياء الأخرى التي لا تنتمي لفرنسا في موطنها الأصلي الأول، والعودة إليها إما في العطل أو بعد التقاعد والرجوع النهائي لمن لا يريد أن يكون فرنسيا أبدا. هذه بداية تبدو مبشرة للعثور على حل هناك، وإذا ما اقتنع كل بلد بضرورة جعل تصوره للدين موافقا لطبيعة ذلك البلد وقيمه، قد نجد حلا أو على الأقل بداية حل لهذا الداء الفتاك المسمى التطرف الذي يهدم أول مايهدم الوطن ومعنى الوطن، ومعنى الانتماء للوطن، بهدف تشجيع الانتماء للوهم المسمى: الجماعة. للمراقبة والمتابعة إذن قصد الاستفادة ليس إلا...