بقلم د. سالم الكتبي لاشك أن استكشاف الفضاء كان، ولا يزال، أحد أهم مظاهر تقدم الدول وتطورها منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، حيث شهدت علوم الفضاء تطوراً هائلاً لاسيما خلال ذروة التنافس بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق إبان حقبة الحرب الباردة، وحيث كان استكشاف الفضاء رمزاً للتنافس الجيوسياسي بين القطبين آنذاك، حيث اطلقت الولاياتالمتحدة في بدايات عقد الستينيات برنامج "ابولو" رداً على السبق السوفيتي في هذا المجال آنذاك، حيث كان الاتحاد السوفيتي السابق قد نجح في إرسال أول مركبة فضائية وعل متنها الكلبة "لايكا" التي دخلت التاريخ لإثبات تفوق السوفييت تكنولوجياً في هذا المجال، رغم أن المركبة لم تعد إلى الأرض. ثم جاءت أول رحلة فضائية سوفيتية على متنها رائد الفضاء يوري جاجارين، الذي عاد للأرض، ثم نجحت الولاياتالمتحدة بعد ذلك في غزو الفضاء بإرسال رائد الفضاء الشهير ارمسترونج وزميله ادوين الدرن أول من وطأت قدماهما سطح القمر. بعد ذلك تكرست عالمياً فكرة استكشاف الفضاء كرمز للتطور التقني، حيث توالت الدول الساعية للتنافسية العالمية في تدشين برامج فضاء، وجاءت بعض دول الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وكوريا الجنوبية وكندا وغيرها من الدول. الآن باتت وكالات الفضاء وتكنولوجيا الأقمار الصناعية أحد أهم مظاهر تقدم الدول، لذا بادرت الامارات لتأسيس وكالة فضاء عام 2014، وهي وكالة اتحادية مسؤولة عن تنظيم قطاع الفضاء في الدولة بعد أن بلغت استثمارات الامارات في هذا المجال أكثر من 20 مليار دولار، فضلاً عن نحو 7 أقمار صناعية، وهذا الرقم يبلغ نحو 7% من إجمالي الاستثمارات العالمية في مجال الفضاء والتي تقدر بنحو 300 مليار دولار في مجملها، ما يعني أن الامارات تمتلك حصة مهمة ضمن استثمارات هذا القطاع المستقبلي الواعد. إذن، ووفق معايير المنطق والموضوعية وحسابات الارقام، توجه الامارات نحو الفضاء ليس نوعاً من الرفاه، بل انعكاس لرهان وطني مدروس على اقتصاد المعرفة والتوجه نحو المستقبل عبر استراتيجيات مدروسة تقوم على رهان استراتيجي على العلم ونشر ثقافة الابداع والابتكار في مختلف مجالات التنمية المستدامة، ومأسسة فكرة ارتكاز الاقتصاد الوطني على صناعات متطورة منها صناعة الفضاء والطيران بحيث تعمل كرافعة اقتصادية حيوية مستدامة لاقتصاد المعرفة الاماراتي. ولا شك أن تشجيع قيادتنا الرشيدة لهذا التوجه المتطور يعكس رؤية استراتيجية واعية لتطوير الاقتصاد الاماراتي وتأهيله لمرحلة مابعد النفط، فالاستراتيجية في مجملها تترجم مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي بأن الامارات ستحتفل بعد خمسون عاماً بتصدير آخر برميل من النفط، والآن وقد مر نحو ثلاثة أعوام على هذه المقولة تكشف الامارات رسمياً عن هوية أول رائدي فضاء مواطنين سيذهبان في رحلة لاستكشاف الفضاء ضمن رحلة تنظمها وكالة الفضاء الروسية إلى محطة الفضاء الدولية العام المقبل. سيدخل رائدي الفضاء الاماراتيين هزاع المنصوري وسلطان النيادي تاريخ دولة الامارات والتاريخ العربي ويسجلان اسميهما ضمن قائمة رواد الفضاء في العالم ويكرسان ريادة الامارات عربياً في مجال استكشاف الفضاء، وهي ريادة ترتكز على بنية تحتية مؤسسية تحظى باحترام العالم، فلدينا وكالة الامارات للفضاء، ولدينا مؤسسات ومراكز أبحاث وأقمار صناعية مخصصة لأغراض مختلفة. كما أن الامارات تراهن عن نهضة هذا القطاع الحيوي كي يصبح رمزاً لتطورها وتقدمها وسعيها الجاد نحو مراتب التنافسية العالمية الأولى تحقيقاً لأهداف رؤية الامارات 2021 ومئوية الامارات 2071، وهما رؤيتان متكاملتان وقائمتان على دراسات وأهداف طموحة للغاية ولكنها أيضاً واقعية وترى طريقها إلى التنفيذ بمرور الأيام وليس السنوات. الهدف من وراء كل ذلك هو الانسان، فمئوية الامارات تنطلق من رؤية استراتيجية تهدف إلى إعداد جيل يحمل راية المستقبل ويمتلك مقومات التنافسية وفق أرقى المعايير العلمية العالمية بحيث يقدر على استكمال حلم الامارات في أن تكون لاعباً اقتصادياً عالمياً ضمن المجموعات الاقتصادية الكبرى في العالم اعتماداً على اقتصاد المعرفة القائم على العلوم والتكنولوجيا والاستدامة البيئية والابتكار والابداع وريادة الأعمال. إنه الحلم الاماراتي الذي لا تحده حدود، وحلم الانسان الاماراتي الذي لا سقف لطموحاته سوى السماء، ومثلما لا حدود للفضاء فلا حدود لطموحات الامارات في تحقيق مزيد من الإنجازات كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. إنه أيضاً حلم العرب والشباب الخليجي والعربي في بناء واقع عربي جديد قائم على العلم والمعرفة وتحسين الصورة النمطية للعرب وتقديم صورة مغايرة للعالم، الذي لا شك أنه سينظر إلى صورة رائدي الفضاء الاماراتيين العام المقبل بكثير من الانتباه والتقدير والاحترام.