محمد المختار ولد سيدي محمد (قصة أغرب من الخيال) ج:2 حكاية محمد المختار: في يوم 24/2/1978 وصلت بالطائرة من كونا كيري إلى الجزائر وتوجهت إلى مكتب العبور لتبديل الطائرة، فقدمت جوازي للموظف من أجل الإجراءات، فحدق فيه كثيرا، ثم طلب مني أن أنتظر، فانتظرت حتى خلا المكان تقريبا من المسافرين، عندها تقدم نحوي شخصان، عرفت فيما بعد أنهما من المخابرات، ومازلت أتذكر أن أحدهما يسمى «عنترة». سألاني إن كنت أنا محمد المختار، وعندما أجبتهما بالإيجاب، طلبا مني أن أصحبهما لإتمام بعض الإجراءات، وخارج المطار وجدنا سيارة في انتظارنا، فطلبا مني الصعود، ونفذت وأنا في حالة من الذهول أفقدتني القدرة على التفكير. بعد دقائق وقفت بنا السيارة أمام بناية كتب عليها «فندق ألبرت الأول»، ثم طلبا مني النزول ، وعندها استجمعت شجاعتي وسألتهما ماذا يريدان مني فجاءني الرد بأني في ضيافة رئاسة الجمهورية. الأمر الذي لم يزدني إلا حيرة على حيرة، وفي البداية ظننت الأمر مزحة وسخرية، غير أنهما بالفعل أدخلاني غرفة في الفندق ورقمها هو (311) ، وأفهماني أن علي البقاء فيها وليس لي حق الخروج من الفندق، وأن أطلب ما أريد من عامل الاستقبال. منذ ذلك اليوم بدأت مأساتي التي دامت أكثر من 12 سنة، بدأت بمصادرة جوازي إلى اليوم ومازلت أتذكر رقمه (26104)، وبقيت محتجزا هناك طيلة أربعين يوما، إلى أن حضر عناصر من المخابرات الجزائرية ومعهم أناس يتكلمون اللهجة الحسانية تم تقديمهم لي بأنهم من الأمن الصحراوي، وأن علي أن أصحبهم للرد على بعض الأسئلة. بعدها سيحجزون لي على أول طائرة متوجهة إلى ليبيا، وكم كانت مفاجأتي كبيرة عندما أجبروني على الركوب معهم على طائرة متوجهة إلى تيندوف. في مطار تيندوف وجدنا في انتظارنا مجموعة ممن عرفتني سنون السجن الطويلة بأنهم من جلادي البوليساريو، ومعهم سيارتا لاندرو فير نقلوني في إحداها إلى (الرابوني). احتجزوني هناك حتى صباح اليوم الموالي، حيث نقلوني إلى قاعة مجاورة وجدت فيها مجموعة من قادة البوليساريو، على رأسهم محمد عبد العزيز، الذي تولى بنفسه استجوابي، وكانت صدمتي مدوية حين علمت في نهاية الاستجواب أن علي أن أدفع جزءا من ضريبة حرب قبلية مر عليها عدة قرون، وكان ذنبي الوحيد فيها أن أجدادي كانوا طرفا فيها. سيد المختار الديش (طعم الشاي المر) من نظراته ومن نبرات صوته وهو يروي إحدى يومياته في معتقل «الرشيد»، يدرك الإنسان حجم المعاناة التي عاشها الموريتانيون تحت رحمة جلادي البوليساريو، ويعلم مدى حقد ووحشية هؤلاء المجرمين. يقول سيد المختار الديش: «جاؤوا بي ذات يوم إلى قاعة التعذيب، وكنت لا أكاد أقوى على المشي، أجلسوني على كرسي وأنا معصوب العينين، مكبل اليدين وراء الظهر، سألني أحدهم إن كنت أريد كأس شاي، ودون أن أجيب أمر بإزالة القناع عن وجهي والقيد عن يدي، ثم سألني وهو يهم بأن يناولني الكأس – الذي كنت بصدق قد اشتهيته – إن كنت أعرف أناسا بعينهم (وقد ذكر الأسماء)، ولما أجبته بالإيجاب، سألني عن علاقتي بهم فرددت أن لا علاقة تربطني بهم سوى أنني أعرفهم في معسكر 12 أكتوبر، وما كدت أكمل جوابي حتى رمى الكأس على وجهي ونادى بصوت مزلزل يشبه صوت الرعد: «الروبيو»، وهي عبارة بالإسبانية تعني (الأبيض) يكنى بها أحد الجلادين. يتابع المسكين: «كان نداء ذلك الجلاد المجلجل وصوت ضربة الروبيو على عنقي هما آخر عهد لي بالحياة في تلك الجلسة، لأستيقظ في اليوم الموالي وأجد أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد، فقد وجدت نفسي مكوما كالقش داخل الزنزانة، ملطخا بالدماء وقد أصيبت إحدى عيني إذ لم أعد أرى بها شيئا». كنت أستغرب أنه خلال حديثه لم تصدر منه كلمة تنم عن حقد على جلاديه، بل إن كلامه لم يخل من مزحة، فحين نادى الجلاد على «الروبيو» روى أنه قال في نفسه (هذا الشاي مر).