عندما ظهر العدد الأول من مجلة دير الشبيغل في 4 يناير 1947، كانت ألمانيا قد تركت وراءها أكثر من عقد من الزمن من الديكتاتورية وسياسة الاجتثات وصحافة البروباغندا، وبدأت تتلمس خطواتها نحو الصحافة الحرة الملتزمة وحرية الرأي التي عانت من خنق فظيع على يد النازية ودعايتها الشمولية. سبعة عقود مرت أثبت فيها أشهر الصحف الألمانية عن كعبها العالي في مجال الاعلام. ففي سن الثالثة والعشرين من عمره، غامر الصحفي ردولف أوغشتاين باطلاق هذا المنبر الذي أداره لعقود من الزمن. ففي مجال عمله المهني لم يفرِّق أوغشتاين بين الأصدقاء والأعداء. وكَشَفَ عن كل حدث يستحق الكشف عنه. لقد كان مبدأ بديهياً في مهنته الصحفية. وأصبح بذلك حارساً للأخلاق السياسية في بلاده. هذا الصحفي الشاب الذي كان يسبح ضد التيار، خاصة وأن ألمانيا خارجة للتو من حرب عالمية تجر كل خيبات العصر. وهو الذي جرب عن قرب معنى حرية الصحافة عندما أقبرت تجربة اعلامية له سابقة بعد عددها الخامس، نظرا لانتقاده الشديد لتوجهات الحلفاء. غير أن دير الشبيغل كانت تجربة مختلفة، فعاشت عصرها الذهبي وفرضت إسمها في عالم الصحافة الحرة. ولكن لم تكن كل السنوات خالية من المشاكل. ففي سنة 1962 انتقدت دير الشبيغل سياسة الدفاع في جمهورية ألمانيا الاتحادية. و نتيجةً لذلك، مارسَ وزير الدفاع الألماني الاتحادي السابق فرانتس يوزيف شتراوس ضغطاً هائلاً على طاقم المجلة. بيد أن مجلة "دير شبيغل" دافعت عن نفسها، واضطر شتراوس إلى الاستقالة في نهاية المطاف. فخلال هذه القضية، وجد طاقم المجلة أنفسهم لمدة أسابيع تحت ضغط وتوتر كبيرين. فاعتُقِل العديد من العاملين في المجلة وقُبِضَ على مديرها أوغشتاين نفسه، ووُجِّهَت إليه تهمة "خيانة الوطن". ولكن بعد بضعة أسابيع قررت النيابة العامة السماح بإعادة فتح مكاتب المجلة. وبذلك أثبتت "دير شبيغل" أهمية الإعلام الحر. لم تكد تهدأ هذه العاصفة حتى شهدت المجلة ضغطا آخر، إبان ما عرف بفترة "فصيل الجيش الأحمر"، حيث شهدت المجلة إحدى أخطر أزماتها. ففي سنة 1977، اختطف أعضاء من التنظيم اليساري المتطرف رئيس رابطة أرباب العمل هانس مارتين شلايَر، واغتالوه بعد بضعة أسابيع من اختطافه. حينها لم تجد المجلة أي حرج من وصفها لهذا العمل بالارهابي. وهو ما جعلها تحضى باحترام المجتمع الحر، خاصة وأن إرهاب هذا التنظيم كاد أن يخرس العديد من الأصوات الحرة. في سنة 2002 توفي مؤسس ودينامو المجلة ردولف أوغشتاين، وشهدت المجلة تحديا آخر، اعتقد معها أنها ربما تفقد بريقها بعد وفاة المؤسس، غير أن قسم التحرير في المجلة حافظ على تركته الصحفية الصعبة. وحتى اليوم يُعتَبر الباحثون الصحفيون في مجلة "دير شبيغل" من أفضل المختصين في مجالهم، بالرغم من تحديات العالم الرقمي.