جرت، بمدافن آيت سيدي احساين بضواحي مكناس، مراسيم تشييع جثمان الفنان الغازي بناصر الذي وافته المنية، مساء يوم الجمعة الماضي، اختناقا بغاز البوتان بمسكنه بمدينة مريرت، بعد مسيرة فنية حافلة دامت لأكثر من أربعين عاما. حادث مأساوي أنهى الرحلة التراجيدية للشاعر و الموسيقي بناصر الغازي الذي قاد الأغنية الأمازيغية بالأطلس إلى القمة و وجد نفسه و قد بلغ من الكبر عتيا، يبيع "الببّوش" معتزلا فنا لا يغني و لا يسمن من جوع "في دولة بمرجعية غير واضحة تعاني الكثير من الغموض واللبس في علاقتها بالفن، خاصة منه ما كان هامشيا وأمازيغيا.. دولة يموت فيها الفنانون وهم في أمس الحاجة لالتفاتة تتجاوز شهادات المشاركة اللعينة، وتكريمات البهرجة أمام الكاميرات وأظرفة يمتص السماسرة والانتهازيون دسامتها قبل أن تصل إلى أيديهم. الالتفاتة الحقيقية هي ضمان حياة فيها أدنى شروط الحياة الكريمة" حسب الباحث الأمازيغي محمد زروال. أبصر الغازي بناصر النورسنة 1940، بدوار آيت سيدي حساين بزرهون الجنوبية بإقليم مكناس، لأبوين ينحدران من قبيلة بني مكيلد بمنطقة تونفيت.. متأثرا برائد الأغنية الأمازيغية الأطلسية الفنان حمو اليزيد، قرر الغازي سنة 1963، و قد تسلح ب"كمنجته" ركوب قطار المغامرة و التوجه للدار البيضاء من أجل احتراف الغناء. كانت بداية احتراف الفن بالنسبة للغازي بناصر بإحياء حفلات في الهواء الطلق ب"سويرتي" كان يتنقل بين الدارالبيضاء و أكادير.. حفلات كانت مفتاح العبور إلى عالم الشهرة بالنسبة للغازي الذي ما لبث أن اقتحم عالم التلفزيون، من خلال سهرة تمت إذاعتها مباشرة من استوديوهات عين الشق، سنة 1963، ليدون اسمه في التاريخ كأول فنان أمازيغي أطلسي يطل على المغاربة عبر الشاشة الصغيرة. و لم تكن تلك سوى البداية، فمع سطوع نجم الغازي في سماء الأغنية، سيشق الرجل طريقه إلى استوديوهات الإذاعة الوطنية، الساعية آنذاك لإغناء أرشيفها بالأغنية الأمازيغية، لتكون الحصيلة أكثر من 50 أغنية سجلها بناصر الغازي لفائدة الإذاعة بالمجان، استفادت منها الإذاعة ماديا و معنويا أكثر مما استفاد منها الغازي شخصيا. وفاجأ الفنان الغازي بناصر محبيه بإعلان اعتزال الفن نهائيا ، بعدما اضطر تحت وطأة الفقر و الحاجة، إلى بيع آلة الكمان بعد رفقة دامت أكثر من أربع عقود لم يستفد خلالها من عائد مادي يعفيه من مد اليد، شأنه في ذلك شأن عشرات الفنانين الذي لم يحظوا بتقاعد أو تعويض عن حقوق تأليف عشرات الأغاني و التسجيلات التي أغنوا بها الساحة الفنية المغربية… اعتزل الغازي ميدان الفن في آخر ايامه إذن مفضلا بيع "الببوش" بدروب و أزقة مريرت، مكتفيا بين الفينة و الأخيرة بدندنة بيت شعري ظل عالقا بوجدانه: "و نّا يعمى باضاضنك آمّا نوآ داس آسيخلموزيط نالي عاري"…