في مشهد وطني جميل عميق بالدلالات وبداخل ضريح دافيد بن باروخ بتارودانت، غنى الجمعة مئات اليهود المغاربة المقيمين بداخل وخارج الوطن المقطوعتين الغنائيتين "صوت الحسن" و "لعيون عيني" تعبيرا منهم عن الاستمرار في الارتباط بوطنهم وبقضاياه المصيرية. بكثير من الحماس، رددت الحناجر المقطوعتان المعزوفتان من قبل فرقة غنائية يهودية اختارت بتنسيق مع المنظمين، إطلاق هذه الملاحم الغنائية الوطنية لحظة دخول الوالي زينب العدوي للضريح رفقة الوفد الرسمي المرافق لها، معلنة بقدومها انطلاق الاحتفالات الدينية "هيلولة" التي تقيمها الطائفة اليهودية المغربية المشكلة من يهود مغاربة منهم من لايزال يعيش ببلده الأم، وآخرون اختاروا الاقامة ببلدان أخرى لكن يبق مسقط رأسهم محفورا بين شرايين قلوبهم. فبمحيط الضريح كان الطرب وكانت قضايا الوطن حاضرة بقوة.
ضريح الحاخام دافيد بن باروخ هاكوهين يتواجد بقلب دوار أغزون باهمو التابع ترابيا لجماعة تنزرت قيادة سيدي عبد الله أوموسى ويعد من كبار المزارت اليهودية التي تحولت إلى محج لمئات اليهود من مخلتف أقطار المعمور، ومن قبل يهود من مختلف الأقطار العالمية. قاربت الساعة الثانية عشرة بعد الزوال عندما خرج المحتفلون إلى الضريح لاستقبال الوالي العدوي، فكانت تصافحهم واحدا واحدا، نساء ورجالا وسط الزغاريد على الطريقة المغربية التي عبرت من خلالها النساء اليهوديات الحاضرات بأنهن مغربيات أصيلات، وأنهن على العهد، يحافظن على تقاليد بلادهن برغم البعد عن الوطن. كن يتحدثن مع الوالي بالعربية والفرنسية وبالأمازيغية وينشدن التراثيل بالعبرية ووسط هذا التنوع يقلن "نحن مغاربة وسنظل مغاربة، الله يرحم الحسن الثاني، وعاش مولاي جلالة الملك محمد السادس". مباشرة بعد المرور على الفرقة الغنائية اليهودية كانت لحظة الترحم على قبر الحاخام "دافيد بن باروخ هاكوهين" وسط المقبرة المحيطة بالمزار، خلاله كان الدعاء لعموم الشعب المغربي وللاسرة الملكية باللغة العبرية، تقليد دأب عليه المحتفلون، وبعده مباشرة توجهت الجموع إلى قاعة حيث أنشدت ابتهالات طقوسية بحضرة الوفد الرسمي لينتهي الافتتاح بغذاء جماعي بنكهة المطعم اليهودي المغربي. تستمتر هيلولة حتى يوم غد الأحد موعد التفرق، طقوس واحتفالات عديدة تقام بالمناسبة من بينها تلقي الاضاحي والهدايا وتناول وجبة "السخينة" بشكل جماعي. هيلولة اليهود المغاربة جعلت المغرب محجا للطائفات اليهودية من نقط مختلفة من العالم أهمها إسرائيل وفرنسا وكندا وأمريكا، يؤكد "ألبير المالح" حفيد دافيد بن باروخ، المقيم بمدينة الدارالبيضاء، وتشكل بحسبه "خير معبر عن السلام ومعبر عن التعلق بالوطن وبملكه" وأن المغرب خلال تاريخه عبر بقوة عن وشائج التعايش والسلام، وكل من يعود للمغرب من اليهود ينبهرون بروح السلام والتعايش. اليهود المغاربة يضيف ألبير المالح، صوت واحد لتجسيد الوطنية، واعتبر أداء "صوت الحسن" بشكل جماعي نابعا من عمقهم الوطني، أدوها بإسرائيل داخل محفل كبير، كما تشكل تجسدا لحب اليهود المغاربة لشخصية المرحوم الحسن الثاني، وقد بكوا بحرقة لفقدانه، وبفضلهم أطلق اسمه بإسرائيل على سبعين شارعا وزنقة وفضاء عمومي، والرقم السبعين دليل رمزي لعمره. هيلولة ساهمت في تحريك الأقتصاد المحلي من خلال إقامة معرض للمنتوجات التقليدية، وسوق لبيع الدواجن والمواشي والأبقار يضعها "الكسابة" رهن إشارة المحتفلين الذين يقدمونها هدايا للضريح ولزواره الذين يتجاوزون ثلاثة آلاف زائر.