لم يكتب للطفلة وئام 13 سنة، وأخيها سليمان ثماني سنوات، أن يكملا دراستهما كما كان يأمل والداهما. الطفلان ودعا المدرسة وودعا الحياة بكاملها إلى دار البقاء، وتركا غصة وجرحا عميقين في فؤادي والديهما، لأن الفراق لم يكن عاديا وكان بدون عودة. البريئان ماتا غرقا ليس بسبب فيضانات، ولا في مسبح ولا في بحر، بل سقطا في حفرة عشوائية مملوءة بالمياه بعد أن نهب «حفاروها» رمالها وتركوها عارية لتمتلئ بالمياه وتحصد في غفلة من الجميع روح طفلين بريئين، لا ذنب لهما ولا مسؤولية لهما فيما يحدث من نهب وحفر بهذا الواد من طرف لوبي مقالع الرمال. عاد الطفلان من مدرستهما مساء يوم الخميس الأخير وكلهما شوق للقاء أمهما، بعد أن أنهيا حصصهما الدراسية في مدرسة المسيرة الابتدائية بمركز غفساي بإقليم تاونات، إلا أن عودتمها لم تكتمل بتلك الفرحة والبراءة المعهودة، فبعد توجههما نحو منزل والديهما بحي الزريقة السفلى في غفساي وعلى مسافة قريبة من المنزل، كان لزاما عليهما قطع مجرى وادي أولاي المحاذي لمركز غفساي، إلا أن عبورهما هذه المرة لهذا المجرى سيكون الأخير في حياتهما، ليس لفيضان المجرى ولا لارتفاع حمولته، بل لحفرة عشوائية تركها ناهبو الرمال بهذا الواد لتمتلئ بمياه الأمطار التي عرفتها المنطقة مؤخرا، جعلت الطفلان يقعان فيها. أحست الأم بتأخر ولديها (الطفل يتابع دراسته بالسنة الثانية ابتدائي، وشقيقته بالسنة السادسة ابتدائي)، وهو إحساس القلب قبل العقل جعل الشك يدب إلى نفسها في سبب هذا التأخر، فراحت تبحث عنهما لكن المفاجأة كانت فاجعة، عندما لاحظت وجود نعليهما بجوار البركة المائية، لتتأكد بعد ذلك من اختفاء فلذتي كبدها داخل البركة المائية لتصاب بصدمة فبادرت إلى الصياح والعويل طالبة المساعدة. تم انتشال جثتيهما من قعر البركة المائية، بعد أن انتقلت عناصر مركز الدرك الملكي بغفساي لمعاينة الحادث وفتح تحقيق في ملابسات وقوعه، حيث أشرفت على انتشال جثتي الضحيتين من قعر البركة المائية، قبل نقلهما إلى قسم الطب الشرعي بمستشفى الغساني بفاس لإخضاعهما للتشريح الطبي. مأساة تركت أثرا عميقا ليس في نفوس والدي الطفلين البريئين فقط، بل في نفوس عموم ساكنة المنطقة، خاصة بعد أن انتشر خبر هذه الفاجعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعبرت العديد من فعاليات المنطقة على ضرورة وضع حد للفوضى والنهب الذي تعرفه رمال أودية المنطقة، حيث الاستغلال العشواي والحفر الفوضوية التي تترك على جنبات الوادي، دون رقيب ولا حسيب وعلى مرآى ومسمع من كل السلطات المعينة والمنتخبة. وطالبت هذه الفعاليات الجهات المسؤولة عن منح تراخيص استغلال مقالع الرمال بجانب الأماكن المأهولة سكانيا في إعادة النظر في دفاتر التحملات والصرامة في مراقبة الاستنزاف غير القانوني لهذه المقالع. محمد المتقي