قبل البدء ، كان الفن عبد الطيف الزين من مواليد مراكش 1940 ، كائن من خارج الأرض ، جاء وحط بالمغرب وسط مدينة ساحرة ، وهبته القدرة على الابداع ، طبعا ذلكم عطاء الخالق وكذلك دون نسيان الوسط والمحيط ، وكانت علاقة الزين بالفن علاقة موسومة بالحب ، علاقة احساس اللامتناهي ، علاقة وجدان وهوية . حيث منحته هذه المدينة الساحرة / مراكش كل هذا العطاء الفني ، وهذا المتن الفني الذي لا ينضب ، تحسس الزين الفن من خلال احتكاكه المباشر بالكتب المدرسية ، خاصة المقررات المتعلقة بالتربية الفنية ( الرسم ) ، تمنى قبل البدء ، أن يكون ساحرا ، فتأتى له ذلك عبر مسار عميق يحتوي على مياه فنية خالصة عذبة ولذيذة . عبد اللطيف الزين ، يعتبر اليوم رائدا من رواد الفن التشكيلي المغربي ، كما وصفه الكاتب جان فرانسوا كليمون في مقاله " التيارات المتعددة في فن الزين " حين قال :" …على غرار الغرباوي ، والشرقاوي … تابع الزين دراسة الفنون الجميلة في كل من الدارالبيضاء وباريس ، وبالتالي فهو يستفيد من لقب : "الرائد " في المجال ، كما اعتبر الناقد الفني عبد الرحمان بنحمزة عبد اللطيف الزين أحد رواد الفن التشكيلي المعاصر في المغرب ، أما الروائي والكاتب المغربي محمد خير الدين فاعتبر الأعمال البارزة والمرموقة للزين والتي وجدت لنفسها مكانا في التراث التصويري العالمي ، لأنها حققت ذاتها بمفردها في وسط صعب منغلق في وجه الجدد ، ويجب أن تحضر هذه الأعمال كسفيرة للوطن في كل المعارض الفنية المغربية في الخارج . مشاهد تقليدية تثير عين الناظر الفنان عبد اللطيف الزين تلهمه الأعراف والعادات والتقاليد المغربية لأنها كامنة في دواخله ، يعمل جاهدا على الحفاظ عليها كموروث ثقافي مغربي ، حيث تفرغ لرسم أشياء بدأت تختفي مثل زي الدفينة والتشامير وكذا أشياء من اليومي المعيش وبذلك يكون الزين قد أنجز تأريخا خاصا للحضارة والعادات المغربية ، لا يضع للشخص ملامح ولا يحدد معالم المكان وهي خاصية تميزه ويتفرد بها . وهكذا يبقى للحلم مجالا … تاريخ تدونه لمسات لونية تتعالى ، لتصبح بطريقة أو بأخرى تجريدية . ان الملاحظ للوحات الزين يرى بقعا لونية وعندما يرجع للوراء تنكشف اللوحة ويصبح التفصيل محسوسا ويمنح للمشاهد نوعا من الحلم . المرأة… نساء زرقاء … الحناء…. فن اللون الزين فنان ملون قبل أن يكون رساما ،فهو يؤمن يقين الايمان بأن الفنان التشكيلي البارع هو الذي يستطيع ترويض الألوان ومعالجتها، بحيث يجب أن تكون متناغمة مع بعضها البعض و متعددة ، حيث عندما تقترب من العمل كمشاهد ترى بقعا من اللون وبعدها تنكشف بهجة وأجواء ،وهكذا تدرك كنه اللوحة والموضوع . في أعمال الزين تحضر المرأة بقوة ، فهي رمز الأم ، والأخت والمرأة المناضلة والأنثى باعتبارها كائن شفاف ، والزين يدرك جيدا أن الفنان يجب أن يملك حساسية مزدوجة لكي يبدع ويتفوق وأن يلبس المرأة ألوانا رائعة لأن المرأة في اعتقاده هي أساس اللون ، وبذلك تجده منجذبا بقوة للون خاصة في حضرة موسيقى كناوة …الزين يحتفظ بذاكرة غنية يدون فيها كل خصوصياته الحضارية والتراثية الانسانية المتجذرة في الزمان والمكان، فالمدن العريقة حاضرة في أعمال الزين كتراث معماري عريق يؤرخ لتاريخ المغرب الغني والعميق ، فنجد مدن عريقة : كفاس ومراكش ومكناس والصويرة …و أيضا جامع الفنا والكتبية …. للموسيقى منحى لوني . عبد اللطيف الزين عازف موسيقي بامتياز، فهو الجالس على كرسي وظهره صوب القاعة يتأمل ذلك القماش الضخم موضوع على الخشبة ، ينتظر في مشهد روحاني دخول فرقة الجاز التي سيشتغل معها ، وتنطلق الموسيقى ، فيقف الزين فجأة ويقفز في الهواء ويقبض فرش الرسم الممتلئة بالألوان ، تتدفق على القماش خطوط حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء وسوداء . لقد قدم النموذج . ان الزين يتبع الايقاع و الموسيقى ويقول : " الأصوات تلهمني الألوان . أنطلق من صوت خام لأعطي فنا خطيا من الجاز " فتولد أشكال سرعان ما تغطيها بقع مرشوشة وخطوط ممتدة … يجري الفنان الزين بين القماش والطاولة حيث توجد فرش الرسم في سباق متفجر مع الوقت فيزيد من ألوان الأحمر والأزرق والأسود والاصفر ، يرتقي الفنان من اقصى طاقته فلا يبقى منه غير عضلات نشيطة راقصة مثل ريشة في خفته ، تدور يداه وساعداه كطاحونة هواء وكأننا بدون كيشوت يحارب الطواحين . ظلال الموسيقيين المرسومة في هيئتها العامة ، تغمرها بقع وفواصل ولوالب وزخارف عربية وخطوط براقة ساطعة . يوضح الفنان قائلا : " ان العلامات التي أخطها على اللوحة لا تحمل أي معنى ، لكن لها حمولة وجدانية . مع هؤلاء الموسيقيين نتقاسم نفس ملاك الالهام " .ما أروع هذه اللحظات الفنية التي تندمج فيها الموسيقى بالألوان لكي تعطينا في الأخير لوحة فنية تشكيلية بنغمات موسيقى الجاز في تناغم وتناسق مع الات البيانو والساكسفون والكمان…وألوان قوس قزح … ليست للمتعة واللذة حدود. التشكيل والرياضة …عملتان لفن واحد . ان الفنان عبد اللطيف الزين يعتزل بشكل من الأشكال ارادته الذاتية لفعل الرسم حيث يطلي كرة التنس أو كرة القدم أو عجلة الدراجة ويختار كذلك ميكانيك الفن وينتقي الألوان ، يبدو وكان الزين يقول : " ان العقل السليم في الجسم السليم " . الزين يعمل على ادماج الفن في الرياضة ويمزج الرياضة في الفن وتلك ممارسة عابرة هي أيضا أساس كل مشهد ، حيث تسعى " ألوان الرياضة " الى تخليد وتجسيم العابر أي جمع الرياضة والفنون التشكيلية .لقد تفرد الزين في هذا العمل الفني وتميز به وهو عمل أصيل وغير مسبوق في تاريخ الفن المعاصر حيث عمل على ابراز أثار مراوغات كرات القدم والسلة والتنس والغولف وكذا عجلات الدراجات وأقدام حاملي الأثقال والتي لا تسلك دائما نفس المسار وأبدا لا تخلف ذات البصمات … حيث تصبح تلك العناصر كلها فرشاة الفنان الزين .. وتأتي أهمية العمل من كونه يقدم فنا عالميا ومقارنة ابداعية فريدة تنتمي لفن ما بعد الحداثة . ان الأعمال التي أنجزها الزين في علاقة الرياضة بالفن التشكيلي تبقى أعمالا رائدة ومدهشة وخالدة …. الزين الفنان المعاصر . الفنان عبد اللطيف الزين يبقى فنانا معاصرا ومميزا وأحد الأسماء المألوفة والمتجذرة بقوة في عالم الفن التشكيلي المغربي والعالمي، لأن لوحاته الرائعة بحق تنبعث منها قوة النار المركزية التي تشد المشاهد اليها بقوة روحانية استثنائية ، هذه النار وهذه الألوان المتقلبة تصدر عن حيوات تسكن اللوحة وتشكل حركيتها الذاتية .