كان طقس الأحد في برلين جميلا، والشمس أرسلت دفئها على غير عادة سبتمبر. فاليوم انتخابات وديموقراطيو ألمانيا يحبسون أنفاسهم مرة أخرى، تحسبا لأي فوز جديد لليمين الشعبوي الذي بات مزعجا لألمانيا المنفتحة وسيدة ألمانيا أنغيلا ميركل. قلق هنا وتوجس هناك. فجأة بدأ الفايسبوك يصدر أخبارا من مدينتي الدارالبيضاء عن مسيرة استثنائية في مسار ديموقراطيتنا الاستثنائية أيضا. مسيرة بدون زعامة ولا قيادة تحمل لافتات وشعارات ضد أخونة الدولة أو الخونة بحسب فهم من حملوها. حبست أنفاسي فمنسوب القلق يتضاعف، مدينتي التي أعيش فيها برلين، مدينة الانفتاح قد تخيب آمالي ومدينتي مسقط رأسي كازابلانكا خيبت أمالي منذ سنين، هاهي الآن تتحول إلى مسرح عبثي في السياسة. كان يوما استثنائيا بالنسبة لي، أتابع نشرات الأخبار حول نسبة التصويت في برلين وتعاليق المحللين، وعيني على الفايسبوك وما يحمله من أخبار عن المسيرة السوريالية. وهذا ماكان. فبعد اغلاق صناديق الاقتراع وبداية التوقعات بدأ القلق يسطر على الأصوات الحرة في برلينوألمانيا. إذ أن جميع المؤشرات كانت تفيد أن اليمين الشعبوي ماض في طريقه للتعبير عن نفسه بقوة. لقد نجح في تعزيز وجوده وسط عامة الشعب الذين لم يسمعوا قط بحكمة المعلم الكبير غوته "شعب لم يكرم غرباءه مآله الزوال". فلا يهم حزب البديل من أجل ألمانيا سوى حصد أصوات الناخبين حتى وإن دعته الضرورة أن يقول إن ألمانيا مقبلة على حرب أهلية بسبب الغرباء. في الضفة الأخرى بدأت مقاطع الفيديو تتقاطر وإن كانت تجلب الضحك إلى درجة الهيستيريا، إلا أن ما وقع وسيقع في انتخابات بلدي مؤسف ومحزن ومخجل بكل المقاييس. فبعد ستين سنة من استقلال البلاد، لا يزال تفكير عدد كبير من "المواطنين" بهذا المستوى. مسيرة الأحد البيضاوية هي إدانة جماعية لسياستنا في التعليم ولنخبتنا السياسية. فهؤلاء الذين خرجوا الأحد ضد العدالة والتنمية هم من صوتوا أو جزء كبير منهم على هذا الحزب، وهم من يحشدوا في المهرجانات الخطابية للتهليل لكل الزعماء السياسيين. وهم من سيخرجون غدا مع أي حزب آخر. لنا تجارب سيئة في الرهان على الشارع لحسم خلافاتنا. سقط جدار برلين، عندما خرج سكان برلين الشرقية ومن ورائهم سكان ألمانيا الشرقية إلى الشارع رافعين شعارا نحن الشعب، فسقط الجدار دون سقوط قطرة دم واحدة، ووقع الألمان على معجزة ستبقى خالدة في الأذهان، أما رهاننا على الشارع فخساراته فادحة، ولنا في التاريخ الحديث أمثلة كثيرة. من المؤكد أن بعض الشعارات كانت لها مصداقية، خاصة تلك التي رفعت بخلفية اجتماعية، والأكيد أن نخبتنا السياسية لا تملك حلولا لها بما فيها حزب العدالة والتنمية. فهذا الحزب بدل أن ينكب على معالجة مشاكل المغاربة، برع في فن الحلقة والتهكم وأعطى للشعبوية روحا جديدة. إن السياسة هي فن الممكن، والممكن في بلادي هو التوافق. ففي ظل نسبة أمية مرتفعة وانهيار المدرسة بوظيفتها الحضارية، لا أمل في الشارع. أو كما قال زرادشت حين تكلم: "حيث تبدأ السوق، يبدأ صخب الممثل الكبير وطنين الذباب السام". رجاء كونوا حذرين.