كما كان ذلك متوقعا، يحتل موضوع الحرب على الإرهاب في فرنسا صدارة الاهتمامات السياسية لكل المرشحين للانتخابات التمهيدية التي ستنظمها أحزاب اليمين واليسار استعدادا للانتخابات الرئاسية. فبعد سنة عسيرة عاش فيها المجتمع الفرنسي محنة أمنية غير مسبوقة، حيث تعرض لهجمات إرهابية مؤلمة أصبح هوس التهديد الإرهابي هو الذي يؤطر الجدل السياسي، ويفرض على الطبقة السياسية الفرنسية ضرورة أن تقدم مقاربتها وحلولها لحماية أمن الفرنسيين. وعلى خلفية هذه الوضعية دخلت المعارضة اليمينية في مزايدات مع اليسار الحاكم في إطار لعبة انتخابية محمومة. وقد كان الرئيس هولاند من بين من أنعش هذه المنافسة ومنحها زخما سياسيا، عندما اختار عنوانا لمداخلته تحت ما سمي إعلاميا بخطاب فاكرام (نسبة إلى القاعة التي ألقي فيها الخطاب) بالديموقراطية في مواجهة الإرهاب. وقد حاول هولاند تقديم مقاربة تميزه عن اقتراحات اليمين المتشددة. هولاند نصب نفسه كمدافع عن دولة القانون التي تحارب الإرهاب مع احترام قيم و مبادئ الجمهورية في حين وجه انتقادات لاذعة لليمين واليمين المتطرف الذي يقترح اللجوء إلى إجراءات تتناقض مع القيم المؤسسة والملهمة للنظام الجمهوري الفرنسي. جواب اليمين الفرنسي جاء على لسان نيكولا ساركوزي الذي تحدث عن معطيات جديدة تفرض على فرنسا مقاربات جديدة. وبما أن البلد، يقول ساركوزي يعيش حقبة استثنائية فهو في حاجة إلى إجراءات استثنائية. ودافع نيكولا ساركوزي عن فكرة لاقت رواجا إعلاميا، مفادها الدولة الفرنسية وقوانينها يجب أن تتأقلم مع نوعية التهديد الإرهابي وليس العكس. ومن تم اقتراحاته بوضع رهن الاحتجاز كل من تحوم حوله شبهات أنه متعاطف مع الفكر المتطرف أو المشاريع الإرهابية. وقد ركز ساركوزي نيرانه على المصنفين تحت بطاقة (س) أي الأشخاص الذين تشكل أنشطتهم وتصرفاتهم خطرا على أمن الدولة. وقد استغل نيكولا ساركوزي ظاهرة فريدة من نوعها لمحاولة تكسير تحفظات اليسار في الموضوع. ظاهرة تؤكد أن معظم الذين تورطوا في اعتداءات إرهابية ضد فرنسا كانوا معروفين من طرف أجهزتها الأمنية التي كانت تلاحق بعضهم. ومن تم هذا الاقتراح الذي يتبناه اليمين بمختلف أطيافه بتطبيق نظام الاعتقال الإداري اتجاه هذه العناصر المشتبه في تطرفها. وفي رده على هذه الاقتراحات اتهم اليسار نيكولا ساركوزي بأنه يريد إنشاء غوانتنامو فرنسي في إشارة إلى السياسة الأمريكية في هذا المجال. وقد اعتبرت أصوات يسارية أن تبني الإدارة الأمريكية لما سمي (بالباترييوت اكت) الذي يحلم به اليمين الفرنسي لم يحميها من الاعتداءات الاٍرهابية. ساركوزي يرد على اليسار بالقول إن الاعتقالات الوقائية في فرنسا للمشتبه في تعاطفهم أو دعمهم للعمليات الإرهابية ستجري تحت تأطير قانوني وأن هذه الإجراءات لن تخلف فضاءات خارج القانون وأن بعبع غوانتنامو الذي يستعمله اليسار لتخويف الرأي العام لا أساس له من الصحة. وفى محاولة لوضع إطار لظاهرة الاٍرهاب في فرنسا والتركيز على معطيات ملموسة استغل رئيس الحكومة مانويل فالس إحدى خرجاته الإعلامية لإعطاء الرأي العام الفرنسي والدولي إحصائيات قد تقشعر لها الأبدان. قال إن حوالي سبعمائة فرنسي أو مقيم في فرنسا يحاربون في صفوف داعش في سوريا والعراق من بينهم 275 امرأة وعشرات القاصرين. قال إنه على التراب الفرنسي هناك، يوجد 1350 شخصا ملاحقا من بينهم 293 لهم علاقة مباشرة بالقنوات الإرهابية الجهادية. واعتبر مجموع الأشخاص المتورطين في التطرّف الإرهابي يصل في فرنسا إلى 15000. وقد تسببت هذه الأرقام في صدمة قوية داخل المجتمع الفرنسي الذي اكتشف حجم الخطر الذي أصبح يهدده. وتراجع فرنسا كباقي الدول الأروبية والمغاربية ظاهرة عودة هؤلاء الأشخاص الذين يحاربون في صفوف داعش إلى أوطانهم الأصلية. وقد تحدث مؤخراً المدعي العام الفرنسي المكلف قضايا الإرهاب فرانسوا مولينس عما أسماه (خطر العودة) مطالبا المجتمع الفرنسي الاستعداد لمواجهة هذا الخطر عبر سن قوانين جديدة ورفع آليات العقاب الذي يطبق على المتورطين أو المتعاطفين مع المشاريع الإرهابية والاستثمار في مراكز محاربة الفكر والتصرف المتطرف. الحرب على الإرهاب ستكون إذن في صلب الصراع الرئاسي المقبل. ويقول مراقبون إن سخرية القدر وعجائب السياسة تريد أن يكون لزعيمي المشهد السياسي الفرنسي فوانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي مصلحة في التركيز عَلى الإشكالية الأمنية. ففرانسوا هولاند قد يجنبه هذا التركيز على القضايا الأمنية الحديث عن فشل حكومته في تقديم حلول اقتصادية لأزمة البطالة التي تعصف بالفرنسيين. هولاند كان تعهد علنا أن لن يتقدم إلى ولاية ثانية إن لم يستطع خلق فرص عمل جديدة تقضي تدريجيا على ظاهرة البطالة. أما نيكولا ساركوزي فمن مصلحته أيضا التركيز في حملته على المعالجة الأمنية لأنها الموضوع الوحيد الذي يتميز فيه عن باقي منافسيه سواء داخل عائلة حزب الجمهوريين أو بالمقارنة مع اليمين المتطرف بزعامة ماريان لوبين.