لطالما شكلت مسألة إحالة ما تتضمنه تقارير المجلس الأعلى للحسابات من مخالفات على القضاء إعاقة حقيقية أمام تفعيل دور المجلس في الرقابة، وبين مطالب النواب والمستشارين بضرورة عرضها على النيابة وتعذر وزارة العدل بأن الأمر يتعلق بتقارير مالية وليس بصكوك اتهام، في محاولة منه للتأسيس لآلية دائمة تكون صلة وصل المجلس والنيابة العامة، بادر مصطفى الرميد وزير العدل والحرايات، الذي يملك حق الإحالة على المجلس إلى جانب النيابة العامة، إلى تكوين لجنة مختصة مكونة من قضاة متخصصين في الجرائم المالية ل «دراسة فحواه وإبداء الرأي في ما تضمنه من مقتضيات وما يمكن أن يحتويه من مخالفات لأحكام القانون الجنائي» مايعني أنها ستملك حق الإحالة على المجلس الأعلى باسم الوزير. وزير العدل والحريات أكد في تصريح ل«الأحداث المغربية»، بأنه بالإضافة إلى إحالته المباشرة لجميع القضايا المرفوعة إليه من قبل الوكيل العام للملك بالمجلس الأعلى للحسابات «سيكون على هذه الهيئة الاستشارية أن تزيد من التدقيق في تقارير المجلس علها تجد مايستدعى الإحالة على القضاء وذلك في إطار اختصاص وزير العدل بإحالة كل ما يصل إلى علمه من وقائع تستدعي المساءلة الجنائية». الآلية الجديدة يرى فيها الرميد «محاولة من الحكومة إعطاء تقارير المجلس الأعلى للحسابات الأهمية التي تستحقها واستجابة منها إلى المطالب المكررة بإعمال مبدأ المحاسبة مقابل المسؤولية». الرميد يدرك أن مسألة الحسم في تقارير مالية معقدة لن تكون في مقدور أي كان لذلك فقد كلف قاضيا من أهل الاختصاص برئاسة اللجنة المذكورة، القاضي الذي وصفته مصادر من الوزارة ب «المتخصص» سبق أن اكتسب تجربة بالمحكمة الخاصة للعدل، حيث عمل كقاضي تحقيق قبل أن يتنقل كمستشار لوزراء عدل سابقين مباشرة بعد إلغاء المحكمة المذكورة. القاضي الذي تكلف بالتحقيق في عدد من ملفات الفساد المالي أمر إثرها باعتقال عدد من الموظفين السامين، سيشرف على لجنة استشارية مكونة من قضاة متخصصين في الجرائم المالية ل «دراسة فحوى تقارير المجلس الأعلى للحسابات وإبداء الرأي في ما تتضمنه من مقتضيات وما يمكن أن تحتويه من مخالفات لأحكام القانون الجنائي» على حد تعبير بلاغ لوزارة العدل والحريات أول أمس الأربعاء، أنها أحالت تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010 على اللجنة المذكورة. بلاغ الوزارة، أوضح أن «العملية تدخل في إطار مقاربة جديدة للتعامل مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات» موضحا أن الوزارة «تسعى من خلالها إلى تفعيل المعطيات القانونية التي تعطي للنيابة العامة حق المبادرة إلى مباشرة الإجراءات الضرورية للبحث عن مرتكبي المخالفات للقانون الجنائي، وكذا تلك التي تعطي لوزير العدل والحريات صلاحية إبلاغ ما يصل إلى علمه من مخالفات إلى الوكلاء العامين للملك وأمرهم بمتابعة مرتكبيها أو تكليف من يقوم بذلك». خطوة تأتي لتنضاف إلى «الإحالات التي يمارسها الوكيل العام للملك لدى المجلس المذكور على وزير العدل والحريات استنادا إلى مقتضيات المادة 111 من قانون المحاكم المالية»، والتي بلغت «ما مجموعه 38 إحالة خلال السنوات الأخيرة، والتي أحيلت جميعها على الجهات القضائية المختصة» يضيف البلاغ. أعضاء اللجنة سيقبلون في الأيام القليلة المقبلة على العمل بجدول أعمال مكثف، خاصة وأن المجلس الأعلى للحسابات يؤكد أن التقرير المرفوع مؤخرا إلى المجلس الأعلى للحسابات يتضمن 13 قضية يظهر أنها تتعلق بأفعال جنائية، بالإضافة إلى 24 أخرى بادر فيها المجلس إلى تحريك مسطرة التأديب المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية. لوائح المجلس الأعلى للحسابات تضمنت كذلك 83 قضية أمام المجالس الجهوية للحسابات، كما بلغ عدد الأشخاص المتابعين من طرف النيابة العامة أمام المحاكم المالية، خلال السنة نفسها، في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، ما مجموعه 360 مسؤولا، علما أن نظام العقوبات في هذا المجال لا يقتصر على الغرامات، وإنما يشمل إرجاع الخسارة المالية التي تحملها الجهاز العمومي وتسبب فيها مرتكب المخالفة. كما لم يفت التقرير، الذي صدر بالجريدة الرسمية، الإشارة إلى أن التدقيق والبت في الحسابات، أسفر عن إثارة المسؤولية المالية للعديد من المحاسبين العموميين.