قال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، إن الحكامة من علامات التقدم الديموقراطي الحديث، غير أن كل مجتمع يعمل على بلورة نموذجه الخاص به انطلاقا من طبيعته الثقافية ومساره التاريخي، منتقدا محاولات تنميط الأنظمة بدعوى كونية المبادئ الناظمة للحكامة. وأبرز وزير الخارجية والتعاون الأسبق، في افتتاح ندوة "الحكامة ومنظمات المجتمع المدني"، أن إشكالية الحكامة تكمن في هذه الدعوى، وهو ما يجعل المجتمع المدني يمارس ضغطا على الدولة، في حين أن المقصد الأساس هو بلوغ الحكم الرشيد. وقد تساءل هل على البلدان العربية أن تبتكر نماذجها الخاصة أم تمتثل للمنظومة الدولية. وأوضح بن عيسى أن بعض الأنظمة أبدت انزعاجها من مبدأ الحكامة ورفضت تجرع الدواء فكان أن انهارت هياكلها، فيما بادرت أنظمة أخرى إلى تبني نموذج الحكامة، التي لم تشكل بالنسبة للدول الغربية المتمرسة على الديموقراطية مفاجأة. وحذر بن عيسى من سعي بعض منظمات المجتمع المدني إلى إضعاف الدولة بدل التعاون معها وتحقيق التكامل في الأدوار، مشيرا إلى استحالة أن تنوب منظمات هذا المجتمع عن الدولة، وضاربا المثل بالمغرب، الذي استطاع أن يحقق عدة إنجازات في مجال حقوق الإنسان وقفت وراءها الإرادة الملكية.
موراتينوس: المجتمع المدني صارت له قوة إحباط الانقلابات بفضل الثورة التكنولوجية اعتبر ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير الخارجية الإسباني الأسبق، أن الحكامة هي النموذج السياسي والاجتماعي للمستقبل، وهي من ثمرات عمل المجتمع المدني حيث تنتمي إلى العالم الجديد، رابطا أهميتها وضرورتها بسعيها الدائم لإحداث تغيير جذري في الأنظمة السياسية التقليدية، التي بلغت ساعتها الأخيرة بتعبيره. وقال موارتينوس، في افتتاح ندوة "الحكامة ومنظمات المجتمع المدني" إن نظام الديموقراطية التمثيلية الموروث عن الثورة الفرنسية والصعود التاريخي للبورجوازية لم يعد يستجيب اليوم لتطورات العصر، ولا صار قادرا على مواكبة الثورات التكنولوجية والرقمية، التي قلبت كل المفاهيم، وهو ما يجعل السؤال مطروحا بقوة عن طبيعة النظام السياسي، الذي يمكن إرساؤه كبديل. وبعد أن بيّن أدوار الحكامة في فرض احترام المسؤولية وحقوق الإنسان ونقد المسؤولين السياسيين، تحدث عن ثلاثة مستويات تبرز فاعلية المجتمع المدني والتحديات، التي يطرحها فيما يخص النموذج السياسي المكن. الأول يتعلق بما هو محلي، حيث أن سياسة القرب في تدبير الشأن العام أعطت للمدينة أبعادا أكبر. وحدد موراتينوس المستوى الثاني في إطار ما هو وطني، حيث يفرض بدوره إصلاحا على مستوى النظام السياسي يستجيب لمطالب المجتمع المدني، الذي استطاع أن يحبط الانقلاب في تركيا، بعدما صارت وسائل الاتصال والتواصل الحديثة أكثر نجاعة من السيطرة على الإذاعة والتلفزيون كما هو الحال في الانقلابات التقليدية. وعيّن المسؤول الأوروبي المستوى الثالث في إصلاح منظمة الأممالمتحدة باعتماد نموذج الدبلوماسية الفعالة كما وقع في فرنسا في كوب 21، حيث استطاعت إقناع القوى الكبرى بضرورة توقيع هذا الاتفاق الخاص بالبيئة، لكن أيضا نتيجة نضالات المجتمع المدني طويلة النفس في هذا المجال.