يتجه المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي ،بكل ثبات، لإرساء شراكة نموذجية متعددة الأوجه ،يؤمل أن تكون مثالا يحتذى لباقي الدول العربية لمواجهة التكتلات الإقليمية الكبرى، فضلا عن التحديات والمخاطر المحدقة بالمنطقة. فمنذ إعلان دول مجلس التعاون توجيه الدعوة للمغرب، ومعه الإردن، للإنضمام للمجلس ،رغم بعد المسافات ، عمل ويعمل الجانبان اللذان تربطهما أواصر قوية، على تحويل الحلم إلى حقيقة وتجسيده على أرض الواقع مشاريع واستثمارات وأواصر بين الشعب المغربي وأشقائه في بلدان الخليج ، التي يفوق ما يجمعها من روابط ما يجمع أية شعوب أخرى في العالم، من خلال إرساء اللبنات الأساسية لهذه الشراكة النموذجية والفريدة. ولإرساء قواعد متينة حرص الجانب الخليجي على دعم المغرب اقتصاديا والمشاركة في نهضته الاقتصادية والاجتماعية التي ينجزها من خلال أوراش كبرى أصبحت مثالا في المنطقة ويشار إليها بالبنان نظرا لفائدتها الاقتصادية والبشرية على المديين المتوسط والبعيد . وبالمقابل، حرص المغرب على الانخراط في قضايا الخليج، خاصة التي تمس أمنه باعتبار أن ما يمس أمن الخليج يمس بشكل ما أمن المغرب ، وانخرط بقوة في الجهود الهادفة إلى مكافحة الإرهاب ،فانضم للتحالف العربي لإعادة الشرعية لليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية، فضلا عن مشاركته في الجهود العربية والدولية للقضاء على الجماعات الإرهابية خاصة منها تنظيم (داعش). كما تجدر الإشارة إلى مشاركة المغرب في الجهود التي تبذلها السعودية على صعيد البلدان الإسلامية لتشكيل قوة عسكرية لمواجهة كل محاولة للمس بأراضي الدول العربية والإسلامية خاصة في المنطقة العربية التي أصبحت مثار أطماع القوى الإقليمية والدولية على السواء. ومن المؤكد أن هذا الدعم الامني/العسكري يبرز الحرص المشترك للمغرب ودول الخليج على التصدي الحازم لظاهرة الإرهاب والتطرف الديني ،عبر نهج مقاربة تشاركية تقوم على التنسيق وتبادل الخبرات والمعلومات والوسائل ،بما يضمن استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار الذي يعد أساس التنمية الشاملة والمستدامة. والواضح أن المغرب ودول مجلس التعاون يتفقون في الالتزام بتدبير سياستهم الخارجية بناء على عدد من المبادىء والثوابت الواضحة أهمها صيانة الوحدة الترابية والأمن الداخلي ، والالتزام بحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية والإسلامية في المقام الأول، وبما يخدم المصالح المشتركة ويخدم قضاياها، مع الحرص على إقامة علاقات تعاون وشراكة عملية مع الدول الصديقة ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. ويدرك المغرب ودول مجلس التعاون أهمية العمل العربي المشترك ،ويعملان سويا من أجل تحقيق الهدف من خلال التنسيق والتشاور خاصة داخل أروقة الجامعة العربية والمنظمات التابعة لها .ونتيجة لهذا الإدراك تأتي مواقف الجانبين متناغمة إزاء العديد من القضايا التي تهم الأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، خاصة مع التقدير الخليجي والعربي عموما والإسلامي بشكل أشمل لدور المغرب في هذه القضية ورئاسته للجنة القدس وللأعمال الجليلة التي ما فتئت تقوم بها اللجنة للفلسطينيين والمقدسيين منهم على وجه الخصوص من خلال وكالة بيت مال القدس الشريف. ويرى عدد من المراقبين أن هذه الشراكة التي انطلق العمل لإرساء دعائمها وركائزها بقوة ، يجب ان تكون مثالا يحتذى في المنطقة العربية التي أصبحت تواجه تحديات ومخاطر تهدد بتفككها وتفتيتها لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يعد حسب الملاحظين نسخة جديدة من مخطط (سايس بيكو) ، لا سيما وأن ما يجري على الساحة خاصة في سوريا والعراق واليمن ووصولا لليبيا، ليس إلا أنذار لما يمكن أن يحدث لباقي الدول إن لم تتعاون وتنسى ولو مؤقتا خلافاتها الصغيرة لتتفرغ للمعركة الكبرى . وهذا الأمر هو ما أكده جلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي الذي ألقاه جلالته أمام نظرائه قادة دول مجلس التعاون في قمة الرياض في 20 أبريل الماضي. فقد قال جلالته بالخصوص " إن هذه القمة تأتي في ظروف صعبة. فالمنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة و تقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا. مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي. فبعدما تم تقديمه كربيع عربي ، خلف خرابا ودمارا ومآسي إنسانية ، ها نحن اليوم نعيش خريفا كارثيا، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية ، ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب، من خلال المس بنموذجه الوطني المتميز". واستطرد جلالته قائلا "إننا نحترم سيادة الدول، ونحترم توجهاتها، في إقامة وتطوير علاقاتها، مع من تريد من الشركاء. ولسنا هنا لنحاسب بعضنا على اختياراتنا السياسية والاقتصادية. غير أن هناك تحالفات جديدة، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة، بل وعلى الوضع العالمي". وقد كان لهذا الخطاب صداه الإيجابي رسميا وشعبيا . ففي اجتماع لمنظمة لجان التضامن العربية التابعة لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية والأسيوية، أعرق وأقدم منظمة غير حكومية (12 ماي)، أشاد المشاركون بمضامين خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال القمة المغربية الخليجية في الرياض. وأضاف البيان الصادر عن الاجتماع، أن النقاش ، خلال الجلسات، أبرز "وضوح وعمق التشريح الذي تقدم به ملك المغرب للوضع العربي وللدمار الذي لحق بعدة بلدان عربية، والذي يتهدد كل الوطن العربي". وأضاف البيان أن المؤتمر توقف كذلك عند إلحاح صاحب الجلالة الملك محمد السادس على " أهمية الدفاع عن استقلالية القرار السياسي للدول العربية ضمن خطة صيانة استقلالية القرار العربي للتصدي لتحديات التقدم في المسار الديموقراطي العربي والتنموي العربي". ويبقى بعد كل ذلك السير على النهج الكفيل وحده بإخراج المنطقة العربية مما هي واقعة فيه ومواجهة كل التحديات بموقف واحد لن يجرؤ أحد على الوقوف أمامه.