طيلة 22 سنة قضيتها في الكتابة الصحفية، لم أتوقع أبدا أن يخصني أحدهم برد يذكر فيه اسمي في عنوان المقال، وهكذا فعل عبد العالي حامي الدين في عموده الأسبوعي بجريدة «أخبار اليوم» والذي عنونه ب«نقاش مع يونس دافقير». وقد وجدتني محتارا بين شعورين: إما الانتشاء بهذا التشريف من طرف مسؤول برلماني وحزبي، أو عدم الارتياح للغة المتشنجة التي كتب بها التعقيب على وجهة نظر عبرت عنها في هذه الزاوية، تحت عنوان «فساد منطق أن يكون الملك معنا أو ضدنا». وأود أن أشكر حامي الدين على هذا الاهتمام لسبببين: قراءة المقال من جهة وإيجاد الوقت الكافي للتعقيب عليه من جهة ثانية، وكل ذلك كان يحتاج من الرجل أن يسترق بعضا من وقته الموزع بين الحزب والبرلمان والانتخابات وحروب وصراعات متنتدى «عدالة» وقضية أيت الجيد الرائجة بين المحاكم. وهناك سبب ثالث يدعوني لهذا الشكر، إنه قدرة الرجل على الاستفزاز الإيجابي الذي أخرجني من توقفي منذ أسبوع عن كتابة عمودي اليومي، بسب ما أرى أنه عدم وضوح في صورة المشهد السياسي تصعب معه المجازفة بالتحليل أو التعليق، مثلما حدث مثلا في مسألة عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي. لكن حامي الدين بالغ كثيرا في استهلال مقالته بعبارة «ليست المرة الأولى التي يتولى فيها صحافي الأحداث المغربية يونس دافقير الرد على مقالاتي بنبرة حادة لا تخلو من حماسة غير طبيعية». فما أعلمه أنها المرة الثانية فقط التي أناقشه فيها بعد المقال الذي سبق وكتبته شهر فبراير من العام الماضي، حين سعى إلى تحريف وقائع تاريخ علاقة اليسار بالملكية والسلطة السياسية. ثم إني لا أكتب عادة ب«حماسة غير طبيعية» مثلما يفعل صديقنا، فمن طبعي أن أكون هادئا متزنا في علاقتي بقرائي، ولو أحبت أسلوب الحماسة والتخصص في عبد العالي حامي الدين، لكنت واحدا من الذين تحمسوا لإعادة محاكمته في قضية اغتيال الطالب القاعدي أيت الجيد. لكني اعتبرت أن في القضية كثير من السياسة وقليل من البحث عن العدل والإنصاف، ومن الأفضل لي ولقرائي ألا ندخل في تلك المتاهة السياسية إلى أن يحسم القضاء في الكثير من مساحات الظل والظلام التي تملأ فضاء هذا الملف. وحين ذكر عبد العالي، أنه يعرفني منذ أن كنت طالبا بكلية الحقوق بالمحمدية مناضلا في صفوف منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، عادت بي الذاكرة إلى سنة 2011 حين شاركت معه برفقة الأستاذ محمد الساسي والصديق أحمد المدياني في نقاش بإذاعة ميد رادو: حين أنهينا النقاش قال لي صديقي ونحن نتوادع في باب مقر الإذاعة «لقد تغيرت كثيرا، كنت معتدلا في المرحلة الطلابية والآن أصبح موقفك متشددا من الإسلاميين»، وفي أسباب النزول هذا «التقييم» كنت صاحب موقف يقول إن العدل والإحسان تستغل بانتهازية مفرطة نضالات حركة 20 فبراير، بينما يسعى حزب العدالة والتنمية إلى جني ثمار «ربيع مغربي» لم يكن طرفا فيه. وأود أن أوضح لعبد العالي، أني لم أتغير في قناعاتي ومبادئي وما أومن به من قيم، ومع ذلك فهو لم يجانب الصواب، وأظن أني، كما الإسلاميين، قمت بمراجعات سياسية انتهيت فيها إلى خلاصتين: تفيد الأولى أن إمارة المؤمنين التي كنت أعتبرها في نقاشاتي في الساحة الطلابية وداخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ذات عمق تقليداني، هي اليوم ضامنة للتسامح وحامية للحداثة والإسلام المغربي ورهان استراتيجي في الفصل بين الدين والسياسة، وفي ثاني هذه المراجعات انتهيت إلى أن بيئتنا السياسية والحزبية لا تحتمل احتضان نظام ملكية برلمانية الآن وهنا، وقد يكون ذلك ممكنا حين تتوافر شروطه الموضوعية. وقد كانت مشكلة نقاشاتي مع عبد العالي حامي الدين أنه ضعيف الاستيعاب لما أقوله وأكتبه، وتلك مشكلة الحوار في عالمنا الإسلامي بشكل عام، فحين تناقش أحدهم لا يأحذ وقتا كافيا لفهم ما تذهب إليه، بل يركز فيما سيقوله بعد أن تنهي كلامك. بمعنى أنه «حوار الطرشان» الذي أكده من جديد صديقينا وهو يقول في تعقيبه أن موقفي «يخفي جهلا فظيعا بحقائق الميدان»، وأنه يكفيني أن أتمعن جيدا في نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية لأدرك حقيقة «البام». وسيلاحظ القارئ أني لم أدخل حتى الآن في جوهر الرد على مضمون مقالة عبد العالي حامي الدين، التي تدور في فلك الملكية وحزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، والسبب أن صديقنا اختتم مقالته بعبارة «ولنا عودة للموضوع»، ودرء لأي استباق لخلاصات نقاش لم يكتمل بعد أكتفي بهذه الدفوعات الشكلية في انتظار أن ينهي السيد المستشار البرلماني مرافعته في صلب القضية. وكما قال عبد العالي: «لنا عودة للموضوع». يونس دافقير