خاضت قوات موالية للحكومة التركية معركة اليوم السبت لسحق ما تبقى من محاولة انقلاب عسكري فشلت بعد أن لبت الجماهير دعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للنزول للشوارع وتخلى عشرات من المتمردين عن دباباتهم. وقتل أكثر من 90 شخصا في أعمال العنف التي اندلعت في وقت متأخر أمس الجمعة بعد أن حاول قطاع من القوات المسلحة السيطرة على السلطة باستخدام الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية التي هاجم بعضها مقر المخابرات التركية والبرلمان في أنقرة بينما سيطر البعض الآخر على جسر مهم في اسطنبول. وبدا أن إردوغان يتهم مدبري الانقلاب بمحاولة قتله ووعد بتطهير القوات المسلحة التي سبق أن نفذت عددا من الانقلابات العسكرية الناجحة. وقال إردوغان "سيدفعون ثمنا باهظا لهذا. هذه الانتفاضة هي هدية من الله لنا لأنها ستكون سببا في تطهير جيشنا." وقال مسؤولون إن السلطات التركية اعتقلت بالفعل نحو 1500 من أفراد القوات المسلحة. وذكر مسؤول كبير أنه جرى إنقاذ رئيس هيئة الأركان خلوصي عكار الذي وردت أنباء عن أنه محتجز من قبل المتمردين. ولو كانت نجحت محاولة الإطاحة بإردوغان الذي يحكم تركيا منذ 2003 لكانت مثلت أحد أكبر التحولات في الشرق الأوسط منذ سنوات فضلا عن تحول كبير في أحد أهم حلفاء الولاياتالمتحدة بالمنطقة في الوقت الذي تحتدم فيه الحرب على حدودها. لكن فشل محاولة الانقلاب قد يؤدي أيضا إلى زعزعة استقرار بلد عضو في حلف شمال الأطلسي يقع بين الاتحاد الأوروبي والفوضى في سوريا في الوقت الذي يستهدف فيه انتحاريون من تنظيم الدولة الإسلامية المدن التركية وفيما تخوض الحكومة حربا مع انفصاليين أكراد. وتوجه إردوغان الذي كان يقضي عطلة على الساحل عندما وقع الانقلاب إلى اسطنبول جوا قبل الفجر وظهر على شاشة التلفزيون وسط حشود من المؤيدين خارج المطار الذي فشل مدبرو الانقلاب في تأمينه. وفي كلمة لحشد من آلاف المؤيدين في المطارقال إردوغان في وقت لاحق إن الحكومة لا تزال تتولى الدفة رغم أن الاضطرابات لا تزال مستمرة في أنقرة. وقال إردوغان إن مدبري الانقلاب حاولوا مهاجمته في منتجع مرمرة. وتابع قوله "قصفوا أماكن بعد رحيلي عنها مباشرة. اعتقدوا على الأرجح أننا كنا لا نزال هناك." وذكرت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء أن عدد القتلى ارتفع إلى 90 بينما بلغ عدد المصابين 1154. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن 2839 من أفراد الجيش اعتقلوا. * خطاب من هاتف محمول في ليلة شابتها الغرابة في بعض الأحيان استخدم إردوغان مواقع التواصل الاجتماعي للحديث إلى الشعب التركي – رغم عداوته المعلنة لمثل هذه التقنيات عندما يستخدمها معارضوه واستهدافه المتكرر لفيسبوك وتويتر. وفي مرحلة ما استطاع إردوغان أن يلقي خطابا للأمة عبر خدمة اتصال بالفيديو وظهر على شاشة هاتف محمول ذكي لمذيعة في قناة (سي.إن.إن ترك) والتي رفعت هاتفها أمام الكاميرا في الاستوديو حتى يتسنى للمشاهدين أن يروا إردوغان. وقال القطاع المؤيد للانقلاب في بيان بالبريد الإلكتروني من عنوان المكتب الإعلامي لرئاسة هيئة الأركان التركية إنه لا يزال عازما على مواصلة القتال واصفة نفسه بحركة السلام في الداخل. ودعا القطاع أيضا الشعب للبقاء بالداخل حرصا على سلامتهم. وقال رئيس الوزراء بن علي يلدريم إن الجنود المتمردين الذين سيطروا على طائرات عسكرية أطلقوا النار من الجو وإنه جرى إرسال مقاتلات لاعتراضهم. وهزت انفجارات وأصوات إطلاق النار اسطنبول والعاصمة أنقرة في ليلة اتسمت بالفوضى بعد أن سيطر جنود على مواقع في المدينتين وأمروا التلفزيون الحكومي بتلاوة بيان أعلنوا فيه السيطرة على السلطة. لكن بحلول الفجر تراجعت أصداء المعارك بشكل كبير. واستسلم نحو 50 جنديا شاركوا في الانقلاب على أحد الجسور عبر مضيق البوسفور في اسطنبول بعد فجر اليوم السبت وتركوا دباباتهم ورفعوا أيديهم في الهواء. ورأى شهود من رويترز أنصار الحكومة وهم يهاجمون جنودا مؤيدين للانقلاب بعد استسلامهم. وفي وقت سابق سلم نحو 30 جنديا مؤيدا للانقلاب أسلحتهم بعد أن حاصرتهم الشرطة المسلحة في ميدان تقسيم بوسط اسطنبول. وقد تم اقتيادهم في سيارات الشرطة بينما مرت طائرة مقاتلة مرارا على ارتفاع منخفض مما تسبب في اهتزاز المباني المحيطة وتحطيم النوافذ. * نواب مختبئون بدأ الانقلاب بطائرات حربية وطائرات هليكوبتر تحلق في سماء أنقرة وتحرك جنود لإغلاق جسري مضيق البوسفور الذي يربط أوروبا بآسيا في اسطنبول. وقالت وكالة جالف إيجنسي للشحن إن السلطات أغلقت المضيق أمام حركة ناقلات النفط. وبحلول الساعات الأولى من صباح اليوم السبت استمر المشرعون في الاختباء في الملاجئ داخل مبنى البرلمان في أنقرة بعد أن تعرض المبنى لإطلاق النار من دبابات. وقال شهود من رويترز إن دخانا تصاعد من مكان قريب. وقال نائب معارض لرويترز إن البرلمان تعرض لإطلاق النار ثلاث مرات وأن أناسا أصيبوا. وذكر مسؤول تركي كبير في وقت لاحق اليوم أن الهجمات على البرلمان "توقفت إلى حد بعيد". ومع انقضاء الليل تحول الزخم ضد مدبري الانقلاب. وتحدت الحشود أوامر البقاء في منازلهم وتجمعوا في الساحات الرئيسية في اسطنبولوأنقرة ولوحوا بالأعلام ورددوا الهتافات. وفي حين أخذ أنصار الحكومة في اعتلاء دبابة قرب مطار أتاتورك في اسطنبول قال أحد الرجال "لدينا رئيس وزراء ولدينا رئيس أركان ولن نترك هذا البلد ينهار." وألقى إردوغان ومسؤولون أتراك في محاولة الانقلاب باللوم على أتباع رجل الدين البارز المقيم في الولاياتالمتحدة فتح الله كولن الذي كان يؤيد إردوغان ذات يوم قبل أن يصبح من أحد خصومه ونفت حركة الرجل أي دور في ذلك وقالت إنها تدين أي تدخل عسكري في السياسة الداخلية. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه اتصل بنظيره التركي وأكد "الدعم الكامل لحكومة تركيا المدنية المنتخبة ديمقراطيا والمؤسسات الديمقراطية." ودعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى عودة سريعة للنظام الدستوري في تركيا قائلا إنه لا يمكن حل التوترات هناك بالأسلحة. *استئناف الرحلات قال إردوغان إن الخطوط الجوية التركية استأنفت رحلاتها اليوم السبت. وقالت شركة مطارات ماليزيا التي تشغل مطار صبيحة كوكجن ثاني أكبر مطارات اسطنبول إنها ستواصل تسيير الرحلات من وإلى تركيا. وسيطر جنود على قناة (تي.أر.تي) الرسمية التي أعلنت حظر تجول على مستوى البلاد وفرض الأحكام العرفية. وتلت مذيعة بيانا بأمر من القطاع المؤيد للانقلاب الذي اتهم الحكومة بتقويض الديمقراطية وحكم القانون. وقال البيان إن تركيا ستدار من "مجلس للسلام" سيضمن سلامة الشعب. وانقطع بث القناة بعدها بفترة قصيرة. واستؤنف بثها في الساعات الأولى من صباح اليوم. وشاهد مراسلون من رويترز طائرة هليكوبتر تفتح النار في أنقرة. وقالت وكالة أنباء الأناضول إن طائرات هليكوبتر عسكرية أطلقت النار على مقر وكالة المخابرات. وتركيا أحد الداعمين الرئيسيين لمعارضي الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية. وتستضيف تركيا 2.7 مليون لاجئ سوري وكانت في العام الماضي منصة انطلاق لأكبر تدفق للمهاجرين على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. واندلع إطلاق النار ابتهاجا في العاصمة السورية دمشق مع انتشار تقارير عن الإطاحة بإردوغان وخرج الناس إلى الشوارع للاحتفال هناك وفي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في مدينة حلب المقسمة. وتخوض تركيا حربا ضد انفصاليين أكراد وتعرضت لسلسلة هجمات بالقنابل وإطلاق النار من بينها هجوم قبل أسبوعين شنه متشددون إسلاميون على المطار الرئيسي في اسطنبول أودى بحياة أكثر من 40 شخصا. وشغل إردوغان منصب رئيس الوزراء منذ 2003 ثم انتخب رئيسا للبلاد في 2014 مع خطط لتغيير الدستور لمنح الرئاسة الشرفية إلى حد كبير سلطات تنفيذية أوسع. وتمتعت تركيا بطفرة اقتصادية خلال الفترة التي قضاها إردوغان في السلطة وعززت أيضا نفوذها بشكل كبير في المنطقة. لكن معارضي إردوغان يقولون إن حكمه أصبح شموليا بشكل متزايد. ولفترة طويلة توترت علاقات حزب العدالة والتنمية الحاكم مع الجيش والقوميين في البلاد التي تأسست على مبادئ العلمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وللجيش تاريخ من الانقلابات للدفاع عن مبادئ العلمانية لكنه لم يسيطر على السلطة مباشرة منذ عام 1980.