ينتهي رمضان ولا تنتهي حكايات بلادي… من سمية ابن كيران إلى الشوباني، ومن ابن كيران نفسه إلى فكاهة رمضان، ومن "الميكا" إلى ضجة الأكياس البديلة… أسماء ومواضيع نشطت جلسات الناس في المقاهي وفي البيوت وعبر صفحات الفضاء الأزرق… تمنيت- والنقاشات تكون أحيانا جادة وحادة حتى الاصطدام – لو يمتد نشاط وحماس الفضاء الأزرق إلى ما دون جدرانه. أي إلى الواقع الذي نعيشه ونحياه كل يوم. لماذا هذا التمني؟ ببساطة لأنني أرى في تناقضاتنا الكثير، وفي اختلافنا بين ما نكتب وما ندعي وما نفعل الكثير أيضا. عندما انكشفت حكاية واردات النفايات الإيطالية هاته إلى المغرب، انتفض المعلقون محتجين، منددين، متهكمين، منادين بوقف هذا العار والمهزلة، مدافعين عن نظافة أرض المغرب. وعندما أثيرت قضية الأكياس البديلة عن المسكينة "الميكا" التي خنا "صداقتها" جميعا بفعل قرار تعبأت لتنفيذه الدولة العميقة والسطحية، انتفضنا جميعا مرة أخرى كما المرات العديدة، واختلفنا بين رأي وآخر، بين مؤيد ومعارض، بين مناد بالمجانية وبين مخالف له. الحيطي المسكينة وجدت نفسها مرة أخرى في قلب الإعصار بعد إعصار 22 ساعة عمل. مرة أخرى، وجدت نفسها تبرر قرار وزارتها ببلاغ غير مقنع وبخرجات إعلامية محتشمة يغلب عليها التقني بدل الواضح، الفصيح، والتمطيط بدل الحسم. وبين المنددين من تجاوز حدود اللياقة إلى توظيف البوطوكس في تنديده، غير مفرقين بين الشخص وصفته. شخصيا، كنت دائما أحبذ هذه الفجوة التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي في علاقتنا بما نشعر به وما نريد التعبير عنه. كنت من المؤيدين لكشف الفارق بين الأجور العليا والدنيا في مغرب الصعوبات الاقتصادية والإكراهات الاجتماعية والسياسية والعسكرية، والدعوة إلى مراجعتها على أساس مراعاة حال الناس. كذلك الشأن بالنسبة لتعويضات البرلمانيين وتقاعدهم ومنطق الريع الذي مازالت تدار به عديد أمور في بلدي. وجدت في الفيسبوك وما شابهه تلك القوة المضادة أو شبهها التي ما أحوجنا إليها، والتي تسهم في خلق بعض التوازن لأحوالنا وأوضاعنا من خارج مواقع القرار. وقد رأينا كيف أن تعبئة رواد الفضاء الأزرق كانت حاسمة في إعادة الأمور إلى نصابها في قضايا مهمة… لكنني في قضية "الميكا" هاته وقضية استيراد الأزبال الإيطالية لدي بعض التحفظ. سأشرح. "الميكا" لها علاقة بسلوكنا اليومي، بنظافتنا، بتربيتنا، بتعاملنا في البيت والشارع، بطريقة تلقيننا أطفالنا قواعد هذه التربية. لهذا، عندما ألمس كل هذا التفاعل مع الموضوع أجدني أطرح سؤال الجدية فيه وأتساءل: هل يتعلق الأمر، بالفعل، بحرص طبيعي ورد فعل تلقائي تجاه قضية تعني حياتنا اليومية ومستقبلنا أم إننا ننجر فحسب مع المنجرين ونردد مع الجميع ما يردده؟ سؤال ثاني: هل ثقافتنا البيئية بلغت من النضج حدا يجعل سلوكاتنا طبيعية ومنسجمة مع معاملاتنا اليومية تجاه الشارع أم أنها مجرد ردود فعل سرعان ما تنمحي وتزول مع زوال حمأة الفيسبوك؟ هل نراعي نظافة بيئتنا في بعدها المجالي الوطني أم أن في نفسنا غيظ من الحيطي فحسب؟ هل نقتنع بجدوى استعمال الأكياس البديلة أم أننا، فقط، ندلي بدلونا في حديث صار موضوعه مجانية أو لا مجانية الأكياس البديلة؟ لنعد قليلا إلى ما نراه يوميا حولنا. في أواخر رمضان، أفطرتُ على رمال شاطئ عين الذئاب. فوجئت لحجم اللامبالاة الذي يطبع سلوكات عدد من النازحين- مثلي- إلى الشاطئ ذلك المساء برغم انتمائهم إلى فئات شبابية وعمرية تبدو واعية بما هي فاعلة. أكوام من القمامة على الرمال. أعقاب السجائر ترمى في كل مكان. أكياس تلاعبها الريح في الأجواء. حفاظات رضع وأطفال مطمورة في الرمل سرعان ما تفوح رائحتها… من منا لم يلمح يوما سائق سيارة جميلة ينزل زجاجها ليرمي علبة سجائر فارغة أو يفرغ ما استخلصه من جوفه من مخاط ليرمي به على الطريق في وجه من حوله؟ من منا لم يقع يوما في مشادة مع شخص آخر فقط لأنه نهاه عن إتيان فعل يضر بالبيئة؟ من منا لم يبدُ في نظر الآخر كشخص غريب عن هذه الأرض فقط لأنه نصح باحترام النبات والشجر في الشارع العام؟ من منا لم يلحظ بقايا خضر وفواكه وزبالة بدرج العمارة التي يسكن فيها؟ من منا لم ينتبه إلى وجود بقايا زبالة على مسافة قصيرة من سلة القمامة الفارغة في عمارته أو في إدارة أو في مدرسة أو موقع عمل؟ الأمثلة كثيرة وعديدة. واقع يعكس خلاف ما أقرأ في تدوينات الفيسبوكيين، الذين أعرف منهم من همَّ هو الآخر للدفاع عن البيئة فقط لأن له مصلحة ما في الظهور الشكلي من مناضلي الحزب الأخضر المعلن مؤقتا إلى أن تنتهي "النوبة" بسلام. نعم لاحترام البيئة والقطع مع الممارسات المسيئة لأرضنا وطبيعتنا وماشيتنا ومستقبل أطفالنا. نعم لمساءلة الحيطي عن قرار استيراد النفايات الإيطالية. نعم للذهاب حد التظاهر السلمي وطلب إلغاء صفقة الاستيراد. نعم لإحراج رئيس الحكومة المسؤول عما يجري بوزاراته وما يصدر من قرارات عن وزرائه. نعم لنقاش مجانية الأكياس البديلة عن "الميكا" اللعينة من منطلق أنه لا يجوز بيع المواطن منتوجا يحمل إشهارا لعلامة تجارية. فكل هذه النقاشات لا يمكنها إلا أن تنمي في مواطننا العادي روح الوعي بما حوله وما عليه من واجبات وما له من حقوق. لكن، لا للمزايدات. لا للرأي المخالف فقط للاختلاف ولا… للتناقض بين ادعاءاتنا ومطالبنا. المطلوب أن ننسجم مع قناعاتنا حيثما كنا ومهما كانت طبيعة المعني باحتجاجنا. السلوك البيئي وعي وممارسة لا يقبلان الاستثناء. هو تربية على قيم وقناعات ينبغي أن يسهم الجميع في نشرها خارج مجالها المناسباتي. "الميكا" ما هي إلا تفصيل واحد من تفاصيل أكبر في مسؤولية رعاية بيئتنا وتهذيب سلوكاتنا يجدر بالدولة التي قامت تحاربها قومة رجل واحد أن ترعاه هو الآخر. أفليس الإنسان ابن بيئته؟ في حالنا الجواب اليقين.