ألقى إلياس العماري، رئيس مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة كلمة في اللقاء المغربي الإسباني الأوروبي للمنظمات المهنية للصيد المنظم صباح يومه الثلاثاء 12 يونيو 2016، بطنجة. و نظرا لأهمية مضمونها ننشرها فيما يلي: أتشرف اليوم بمشاركتكم، باسم مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، هذا اللقاء الهام الذي يجمع مهنيي الصيد البحري بالمغرب و اسبانيا، و أغتنم هذه الفرصة لأرحب بالمشاركين، ضيوف مدينة طنجة ذات البحرين. كما أنوه بالسيد رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية الذي بادر، رفقة شركائنا من الضفة الشمالية، إلى تنظيم هذا الملتقى الثاني للجنة المشتركة الإسبانية المغربية للمنظمات المهنية للصيد البحري، الذي يشكل فرصة دقيقة للتشاور و تبادل الآراء و الخبرات العملية و العلمية بين المهنيين. و اسمحوا لي أن أتوقف عند هذه اللحظة التي تجمع مسؤولين و خبراء و ممارسين من ضفتي غرب البحر الأبيض المتوسط، لأؤكد على مسألة أساسية، و هي أن هذا البحر الذي يجمعنا، الآن و هنا، ليس مجرد مساحة جغرافية تفصل بين القارة السوداء و القارة العجوز؛ بل هو فضاء أوسع من ضيق مساحته، و أعمق من قرب شاطئيه الشمالي و الجنوبي. فالمتوسط هو قدر الجوار بين الجنوب و الشمال؛ و هو شاهد على المآسي التي كان مسرحا لها، لكنه شاهد أيضا على عظمة التلاقح الذي تم، على مر العصور، بين ضفافه، و شاهد على سمو آفاق المصير المشترك الذي بدأ قديما و سيدوم أبداً بين منارتيه البارزتين: إسبانيا و المغرب. حضرات السيدات و السادة، إن ملف الصيد البحري هو من بين الملفات الشائكة التي تشغل، على نفس المستوى من الإهتمام، الإقتصاديين و السياسيين بالمغرب و بالاتحاد الأوروبي. و هو ملف محاط بكثير من سوء الفهم الناتج عن إقحام اعتبارات سياسية مفتعلة في موضوع اقتصادي خالص. و إنه لمن شأن هذه اللقاءات التي تجمع مهنيي القطاع و الخبراء أن تساهم في توضيح الرؤى و تليين المواقف و تصحيح أخطاء السياسيين و المتلاعبين في الملفات المشتركة بين شعوب المتوسط. و نتمنى أن يساهم هذا الملتقى في تعزيز عمق العلاقات و الشراكات المتوازنة بين المغرب و شركائنا في الضفة الشمالية؛ و أن يقدم مقترحات حلول لرزنامة المشاكل التي يتخبط فيها قطاع الصيد البحري بهذه المنطقة. كما أغتنم هذه الفرصة لأنوه بمهنيينا الوطنيين الذين يقومون، عبر مؤسساتهم التمثيلية، بأدوار دبلوماسية محمودة للدفاع عن الثوابت الوطنية، و عن المصالح المشتركة بين جيراننا من الضفة الشمالية. إن التحديات التي تواجهنا جميعا هي استدامة الموارد السمكية ، وتحسينُ شروط عيش الأحياء البحرية، أمام تطور الأساليب التدميرية للثروات السمكية، و تفاقم الاستنزاف الممنهج لها. فرغم التقنينات و المجهودات المبذولة لترشيد و عقلنة الصيد البحري بمختلف أصنافه، فإن بحارنا ماتزال مسرحا لأنواع الصيد الجائر، من استعمال للمتفجرات و للأضواء الإصطناعية المحظورة. مما يؤدي إلى تجريف و اجتثاث كميات ضخمة من الأسماك دون الحجم التجاري القانوني. هذا فضلا عن تعريض مياهنا البحرية لمخاطر التلويث الناتجة عن عدم احترام المعايير البيئية الصارمة. مما يستدعي تخصيص استثمارات كفيلة بخلق بدائل متجددة للقطاعات الصناعية المنتجة للتلوث البحري، و ذلك من أجل حماية سواحلنا من النفايات البرية التي تجد سبيلها نحو البحر. و من ثمة حماية مخزون ثرواتنا السمكية التي نحن، جميعا، مسؤولون ،أخلاقيا و قانونيا، على استدامتها و توريثها للأجيال القادمة. و في هذ الإطار، فإن المؤتمر المتوسطي للأطراف حول المناخ MEDCOP الذي ينظمه مجلس الجهة، الذي أتشرف برئاسته، يومي 18 و 19 من الشهر الجاري، هنا بمدينة طنجة، يسعى، من بين ما يسعى إليه، إلى الحد من المخاطر البيئية التي تهدد الأنظمة الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر من بين البحار الأكثر عرضة لتهديدات التغيرات المناخية. و أغتنم هذه المناسبة، لأوجه لكم الدعوة لمتابعة أشغال هذا الحدث البيئي الهام الذي سيساهم في تأطير ندواته الكبرى و ورشاته العلمية خبراء و مسؤولون حكوميون و فاعلون إقتصاديون و ناشطون حقوقيون و من المجتمع المدني، من دول حوض البحر الأبيض المتوسط؛ و سيتم في إطاره عرض التجارب الرائدة في مواجهة مخاطر التغيرات المناخية التي يعتبر البحر المتوسط في مقدمة ضحاياها. حضرات السيدات و السادة، إن الشراكة بين المغرب و الاتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري، مدعوة إلى مزيد من المجهودات المتضامنة لتحقيق مزيد من العدالة و المناصفة، ينعدم فيها منطق الطرف القوي و الطرف الضعيف. و لضمان نجاح دائم يعود بالنفع المتوازن على طرفي الشراكة، فالجميع مدعو للعمل من أجل مساواة نموذجية في استغلال الموارد السمكية. و من شأن هذه المساواة المنشودة المساهمة في استدامة استغلال الموارد لما فيه مصلحة الطرفين. وقبل أن أختم، و بما أن هذا الملتقى ينظم في عاصمة جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، اسمحوا أن أستغل هذه المناسبة لأجدد التذكير بإحدى الصعوبات التي تقض مضجع مهنيي قطاع الأسماك السطحية ببعض سواحل شمال المملكة، الذين يعانون من الأضرار الناجمة عن قوة و كثرة الدلافين السوداء بعد توقيف العمل بالشباك المنجرفة. و أدعو إلى العمل جميعا من أجل تسريع إيجاد حل يضمن احترام القانون الذي يمنع صيد هذا الصنف من الدلافين، و يضمن، أيضا، قوت عيش العاملين في هذا الصنف من الصيد. و نحن، كمجلس الجهة، مستعدون للتعاون الفعال مع وزارة الفلاحة و الصيد البحري، و مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري لإيجاد حلول ملائمة و فعالة. خصوصا و أن المجلس قد صادق في دورته الأخيرة على إحداث لجنة خاصة بهذا القطاع. و أخيرا، إن نداء المصير المشترك الذي جمع لقرون جنوب المتوسط و شماله، ما يزال صداه يصدح في آذاننا، و يدعونا، جميعا، إلى الحفاظ على الثروة البحرية المشتركة. و لذلك أقول لشركائنا الأوروبيين، إن حماية سواحلنا و أعالي بحارنا، و عقلنة استغلال ثرواتها، هي حماية لسواحل و أعالي بحاركم و استدامة لثروات حوضنا المشترك. و نحن مدعوون للاتفاق على ميثاق أخلاقي مشترك، تنبع قوته و إلزاميته من التاريخ المشترك، و الجغرافية المشتركة، و المصير المشترك. و أجدد بكم الترحاب و السلام عليكم