الجمعية المغربية للأطباء النفسانيين بالقطاع العمومي تنتخب الدكتور نورالدين بلحنيشي رئيسا لها في مؤتمرها الثامن عقدت مؤخرا الجمعية المغربية للأطباء النفسانيين بالقطاع العمومي مؤتمرها الثامن بطنجة، في موضوع ‘أمراض الفصام أو السكيزوفرينيا'، حيث تم تقديم عدة عروض و بحوث طبية علمية حول هذا المرض. ويعد هذا المرض من أكثر الأمراض العقلية والنفسية شراسة، وربما يكون المرض العقلي الأول والأخطر من بين الأمراض النفسية والعقلية. وقد وضعت منظمة الصحة العالمية، مرض الفصام في مرتبة المرض الأول من بين الأمراض العقلية والنفسية التي تسبب الإعاقة العقلية بين الشباب في سن 18 إلى سن 45 عاما. كما يعتبر الفصام من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً، إذ تبلغ نسبة المرضى المصابين به نحو 1% من البشر و يعد مرض الفصام المرض الأول من بين الأمراض العقلية والنفسية. من جانب آخر، تميز المؤتمر الثامن للجمعية (التي رأت النور يوم فاتح أبريل سنة 2000, وتهدف اساسا للمساهمة في تحسين وضعية الصحة العقلية بالمغرب. والدفاع عن حقوق كافة أعضائها)، -تميز مؤتمرها الأخير- بعقد الجمع العام العادي الذي انتخب مكتبا جديدا برئاسة د-نورالدين بلحنيشي–المستشفى الجامعي الرازي بسلا- نائبه الرئيس د- كمال مشيش. (العرائش)، الكاتبة العامة دة- ليند راشدي. (الدارالبيضاء) نائبتها دة-فاتحة بولعيون. (الدارالبيضاء)، الأمين د- محمد فرحات. (الدارالبيضاء)، نائبته دة- جميلة التونسي. (الجديدة) ،مستشار د-سمير الكناوي. (فاس).
الأحداث المغربية حاورت بالمناسبة الرئيس الجديد للجمعية المغربية للأطباء النفسانيين بالقطاع العمومي حول واقع الصحة التنفسية والعقلية بالمغرب على هامش المؤتمر، وطرحت عليه جملة من الأسئلة التي تهم واقع وآفاق الصحة النفسية بالمغرب وانشغالات الممارسين داخل هذا القطاع.. فكان هذا الحوار المفصل..
كيف هو واقع الصحة النفسية ببلادنا؟ د-نورالدين بلحنيشي: "لقد أسفر البحث الميداني الذي أنجزته وزارة الصحة سنة 2006 والذي خص عينة من المواطنين من 15 سنة إلى ما فوق أن 48 بالمائة من المغاربة يعانون من اضطراب نفسي، ويتصدر الاكتئاب قائمة هذه الأمراض إذ يعاني منه 26.5 بالمائة من المصابين باضطرابات نفسية بينما تصيب أمراض الفصام ما بين 0.5 و 1 بالمائة من السكان أي ما يعادل 200 ألف مواطنا من بين الشريحة العمرية 15 سنة لما فوق، 70 بالمائة من هاته الحالات تتطلب فترة ما على الأقل علاجا استشفائيا أي ما يعادل 140 ألف مواطنا من نفس الشريحة. هذا ويوجد 300 ألف شخص مدمنين على الكحول أي 1.4 بالمائة من السكان، بينما 600 ألف شخص يدمنون على المخدرات أي 2.8 بالمائة. وفي المغرب بدأ الاهتمام بالصحة النفسية منذ سنة 1959 بصدور ظهير رقم 1-58-295 حول «الوقاية والعلاج من الأمراض العقلية، وحماية المرضى عقليا» وفي سنة 1974 بدأت الدولة سياسة لامركزية عبر إدماج خدمات الرعاية الصحية النفسية في الرعاية الصحية الأولية، وانتظر المغرب 18 سنة قبل أن يشكل لجنة وطنية لخبراء الصحة النفسية لسن أول برنامج وطني، وفي عام 2001 خلد المغرب اليوم العالمي للصحة النفسية تحت شعار «لا للإقصاء نعم للعلاج» على المستوى الوطني، واليوم أصبحت الصحة النفسية ضمن أولويات المخطط الوطني لوزارة الصحة للفترة ما بين 2012 و 2016. أقل من سرير لكل 10 آلاف نسمة يتوفر المغرب على 2234 سريرا لعلاج الأمراض النفسية والعقلية وهو ما يعني أقل من سرير (0.78) لكل من 10 آلاف نسمة بينما المعدل العالمي للكثافة السريرية يتحدد في 4.36 لكل 10 آلاف نسمة، و تتوزع هذه الأسرة على 4 مراكز جامعية (636 سريرا) و 6 مستشفيات مختصة أي ما مجموعه 825 سريرا و 20 مصلحة مدمجة بالمستشفيات العامة (773 سريرا) بينما يتوفر 80 مركزا صحيا على استشارات الصحة النفسية. وفي مجال محاربة الإدمان يتوفر المغرب على مصلحتان سريريتان متخصصتان في علاج الإدمان توفر ما مجموعه 32 سريرا بمركزين بالدارالبيضاء وسلا، و 4 مراكز لعلاج الإدمان بكل من وجدة والرباط والناظور وطنجة تعتمد على فرق للتدخل عن قرب للوقاية من أضرار الإدمان، بينما أنجزت مراكز أخرى بشراكة مع مؤسسة محمد السادس للتضامن بكل من مراكشوتطوان والناظور. وفيما يتعلق بالموارد البشرية يتوفر المغرب على 197 طبيب نفسي و 753 ممرض مختص، وهو ما يعني 0.63 طبيب لكل 10 ألف نسمة و 2.44 ممرض مختص لكل 100 ألف نسمة في الوقت الذي تم تحديد الكثافة الطبية العالمي في 3.96 طبيب و 12.97 ممرض مختص لكل 100 ألف نسمة ما يعني أن المغرب ما زال بعيدا عن المعدل العالمي للكثافة الطبية والسريرية العالمية.". وللتفصيل أكثر أحال د-بلحنيشي أيضا على تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان حول "الصحة العقلية وحقوق الإنسان: الحاجة الملحة لسياسة جديدة" حيث كان الهدف الأساسي من هذا التقرير –يقول بلحنيشي– "هو تسليط الضوء على واقع الصحة العقلية في المغرب والدعوة إلى تدخل قوي ويقظ وتفعيل تدابير عاجلة ووضع سياسة جديدة لتطوير الصحة العقلية والنهوض بها". حيث لخص المجلس الوطني لحقوق الإنسان الاختلالات التي وقف عليها، من خلال زيارات وفده لمؤسسات الصحة العقلية، في.. -تقادم مقتضيات الظهير الصادر في 30 أبريل 1959 المتعلق بالصحة العقلية -الحالة المزرية التي توجد عليها غالبية المؤسسات الاستشفائية، من حيث هندستها وبناياتها وتجهيزاتها ومرافقها الصحية، وعدم مراعاة شروط المراقبة والسلامة وضعف أو غياب الصيانة وضعف الطاقة الإيوائية لهذه المؤسسات وعدم تكافؤ توزيعيها الجغرافي -الخصاص المهول في عدد الأطباء والممرضين والممرضات والافتقار إلى فئات مهنية مفيدة وضرورية في مجال الصحة العقلية -ضعف جودة الخدمات الطبية وغير الطبية المقدمة في غالبية مؤسسات ومرافق الصحة العقلية -غياب آليات المراقبة وعدم فاعليتها وعدم احترام المساطر، -تعرض المرضى العقليين للوصم والإقصاء وضعف التكفل الصحي بهم. كما اقترح المجلس الوطني لحقوق الانسان مجموعة من التدابير الآنية والمستعجلة التي يجب اتخاذها، من قبيل: -حل مشكل جناح النساء بمستشفى تطوان، الذي يمس بكرامة وحرمة نزيلاته، -ترميم وإصلاح بعض البنايات ووضع إطار معياري للبناء والهندسة المعمارية يحترم خصوصية مؤسسات علاج الأمراض العقلية -التخلي رسميا عن إحداث المستشفيات الجهوية السبعة التي كان مبرمج إحداثها، مع تخصيص الميزانية التي كانت مرصودة لبنائها وتجهيزها والموارد البشرية التي كان من المتوقع أن تؤطرها للمؤسسات والمصالح القائمة، وبهذا الصدد قدم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يعتبر أول تقرير من نوعه في المغرب، عددا من التوصيات الهامة من أجل تحسين ظروف عيش الأشخاص المصابين والنهوض بمجال الصحة العقلية بصفة عامة، لعلا أبرزها: -تغيير قانون "الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها"، الذي لم يطرأ عليه أي تعديل منذ إصداره في 30 أبريل 1959، بشكل جذري ووفق مقاربة تشاركية واسعة -سن نظام أساسي خاص بالممرضات والممرضين المختصين في الأمراض العقلية -وضع سياسة شاملة ومتكاملة للصحة العقلية تنخرط جميع مكونات المجتمع والفاعلين والمعنيين والمهتمين في وضع خطوطها العريضة ورسم معالمها. كما سلط التقرير الضوء على وضعية الفئات الهشة التي تحتاج إلى اهتمام خاص وعناية طبية تستجيب لظروفها وخصوصياتها، مثل: -النساء والأطفال والمسنين والمدمنين على المخدرات، -بالإضافة إلى الدعوة إلى إحياء اليوم الدولي للصحة العقلية، الذي يحتفى به في 10 أكتوبر من كل سنة واتخاذه مناسبة وطنية للتوعية والتحسيس والنقاش والإعلام بخصوص الصحة العقلية واقتراح يوم وطني للصحة العقلية يكون فرصة لتعزيز العلاقة الوثيقة بين الصحة العقلية والحقوق الإنسانية، دون إغفال أهمية التربية والإعلام والتوعية والتحسيس لمحاربة وصم الأشخاص المصابين بأمراض عقلية وإقصائهم، ونشر ثقافة حقوق الإنسان وقيمها ذات الصلة بالصحة العقلية. يذكر أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ارتكز في هذا العمل على المرجعية الدولية المرتبطة بالصحة العقلية، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال الميز العنصري والاتفاقية الدولية للأشخاص في وضعية إعاقة. كما استلهم المجلس مقتضيات دستور منظمة الصحة العالمية و"مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية" و"القواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للمعوقين" بالإضافة إلى دستور منظمة الصحة العالمية وتقرير المنظمة لسنة 2011…إلخ وماذا عن معاجلة الحكومة لهذا الوضع؟ استحضر بلحنيشي في جوابه على سؤالنا البرنامج الوطني للصحة العقلية 2012-2016،موضحا … وضع البرنامج المذكور تدابير استعجالية على المدى القصير وأخرى برناماجاتية على المدى المتوسط إلى جانب تدابير إصلاحية على المدى البعيد، وتنحو التدابير المستعجلة في اتجاه «أنسنة» المستشفيات والمصالح من نظافة وأفرشة والتجهيزات الأساسية إلى جانب تحسين التعامل لصالح المرضى والعاملين، من جهة أخرى اشتغلت الوزارة على تعديل ظهير 1959 الذي لم يعد يلائم الواقع الحالي وذلك بسن قانون جديد للصحة النفسية يضمن حقوق المرضى ومن التدابير الاستعجالية الأخرى ضمان استفادة 150 ألف مريض سنويا بالمجان في مرافق الرعاية الصحية وزيادة خدمات الرعاية الأساسية للمرضى في مستشفيات الأمراض الصحية بنسبة 20 بالمائة سنويا مع ضمان المجانية لمستفيدي نظام «راميد». أهداف هذا البرنامج قدمت وزارة الصحة وعودا كثيرة للمصابين بالأمراض النفسية والعقلية، فالإضافة إلى تطوير و تحسين خدمات المستعجلات، وضعت الوزارة أربع محاور للتدخل في المجال: المحور الأول يتعلق بالوقاية من الاضطرابات النفسية وذلك بمكافحة عوامل العنف في المدرسة ومكان العمل وداخل الأسرة وكذا مكافحة الوصم المتعلق بالمرض العقلي. المحور الثاني يتعلق بالفحص والتشخيص المبكر للأمراض العقلية وذلك بتدريب الأطباء والممرضات العاملين بشبكة الرعاية الصحية الأولية وإدماج مكون الصحة النفسية في شبكة الرعاية الصحية الأساسية وداخل جميع أماكن الرعاية الاجتماعية. المحور الثالث يركز على التكفل والرعاية للمرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية بتحسين ولوجيات العلاج النفسي وجودة الخدمات عبر تدارك الخصاص المسجل في الأسرة بهدف توفير ما يناهز 800 سرير و الانتقال من 2234 سريرا إلى 3000 قبل نهاية 2016 وذلك بإنهاء مشروع إنشاء 4 مستشفيات جهوية متخصصة يضم كل منها 120 سريرا ( تم الاستغناء عنها مؤخرا بتوصية من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ) وإحداث 10 مصالح على الأقل بالمستشفيات المتعددة التخصصات، ورفع نسبة الطاقة الاستيعابية إلى 1 لكل 10 آلاف مقابل 0.78 حاليا ورفع نسبة الكثافة الطبية إلى 1 لكل 100 ألف مقابل 0.63 حاليا، وقد خصصت لهذا الغرض ميزانية قدرها 70 مليون درهم. وفي نفس المحور، ينص المخطط على التكفل ورعاية المرضى الذي يعانون من اضطرابات نفسية بتحسين الحكامة داخل المستشفيات و توفير الأدوية الأساسية في المستشفيات، وتوسيع التغطية المختصة بعلاج الإدمان بإحداث 6 مراكز لمعالجة الإدمان بشراكة مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن في حدود 2014. المحور الرابع يتناول موضوع التكوين والتكوين المستمر وذلك لتدارك الخصاص المسجل في الموارد البشرية وفي هذا الصدد سيتم تكوين 30 طبيبا نفسيا و 200 ممرض متخصص في الطب النفسي سنويا مع توسيع التخصصات المهنية في مجال الصحة النفسية. د-بلحنيشي، هل لكم أن توضحوا لنا أسباب نزول مشروع قانون رقم13-71 المتعلق بالتكفل بالأشخاص المصابين باضطرابات عقلية و بحماية حقوقهم، وماهو موقفكم كجمعية للاطباء النفسانيين؟ كما هو معلوم يقول رئيس جمعية الاطباء النفسانيين بالقطاع العام، دبلحنيشي، "لقد صادق مجلس الحكومة خلال اجتماعه الأسبوعي يوم الخميس 2 يوليوز من السنة الماضية بالرباط، على مشروع قانون رقم 13-71 المتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وبحماية حقوق الأشخاص المصابين بها، وهو المشروع الذي تقدم به وزير الصحة، والذي يهدف إلى إجراء مراجعة شاملة للظهير الشريف رقم 295-58-1 الصادر في 30 أبريل 1959 بشأن الوقاية من الأمراض العقلية، ومعالجتها، وحماية المصابين بها، على اعتبار أنها لم تعد تتلاءم مع التطور المسجل في مجال حماية الحقوق والحريات الأساسية لفئة الأشخاص المصابين بالاضطرابات العقلية، سواء في الاتفاقيات الدولية أو في تشريعات الدول المتقدمة. وبشكل يتماشى مع تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان.'-(أنظر أسفله ملخصا لمشروع القانون). ونحن كجمعية قمنا بقراءة نقدية لمشروع القانون المقترح، أهم ماجاء فيها أنه إذا لم يتم تعديل المشروع الذي تمت المصادقة عليه من طرف الحكومة على مستوى البرلمان واذا لم يتم تدارك الشوائب التي تعتريه، فإن أطباء الصحة النفسية والعقلية في المغرب، بعددهم الضئيل الذي لا يتجاوز 320 طبيبا سيضطرون الى خيارات أحلاها مر: -إما البحث عن مهنة أخرى لا علاقة لها بالطب النفساني. -إما المغامرة في الإستمرار في مهنتهم مع احتمال كبير في سجنهم بسبب أخطاء بسيطة كسهو في حراسة المريض أو إغفال في تحيين سجل المرضى, حيث أصبحت جميع الأخطاء المهنية أو الهفوات تعتبر جرائم, حيث تتمحور 25 مادة من هذا القانون حول التهديد و الوعيد للأطباء بالسجن و الغرامة المالية مما سيعقد مساطر و برتوكولات التكفل و العلاج للمرضى النفسيين. إن المشروع في نسخته الأولى و الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس الحكومة تمت صياغته قبل عرضه على المهنيين, حيث تؤاخذ عليه: -استعمال تعريفات علمية عتيقة لا تواكب التطور الحاصل في الطب النفساني. -ترجمة غير مناسبة لبعض المصطلحات مما أبعدها عن مفهومها العلمي. -استحواذ الطابع الجنائي على المشروع و ابتعاده عن الطابع الطبي, حيث يظهر مهني الصحة النفسية وكأنهم (وحوش مفترسة للمريض النفسي) إن ترك لهم وحده, وفي هذه الحالة ستكون العلاقة بين الطبيب والمريض ملوثة بالشك و الخوف, وسينفق الطبيب الكثير من وقته وجهده في محاولات تأمين نفسه قانونيا –كما يحدث في الدول الغربية– ونفقد تلك العلاقة الإنسانية البريئة والعميقة والمتسامحة بين الطرفين. -ابتعاد مضمون المشروع عن الواقع الميداني الهزيل للصحة العقلية كما تم رصدها من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان. -إقصاء الطابع الإستعجالي لحالات الإستشفاء, حيث أن جل هذه الإستشفاءات تتم عن طريق مصلحة المستعجلات, مع تعقيد المساطر الإدارية و غياب الإمكانيات البشرية و البنيوية لمواكبتها. ومع هذا القانون المقترح ستحتاج كل منشأة طبية نفسية إلى عدد من المحامين والسكرتارية ليقوموا بإجراءات الإتصال بجهات الرقابة، اللجان الطبية الجهوية للصحة النفسية والشرطة والنيابة وترتيب الأمور القانونية وسد الثغرات. -صعوبة كبيرة في احترام المساطر مما سيؤدي إلى تهاون في تطبيقها من أجل مصلحة المريض و ذويه, و في هذه الحالة سيكون الطبيب معرضا على الدوام إلى السجن. -تعقيد بروتوكولات العلاج الطبي و جعلها صعبة الحصول مما سيزيد في تدهور حالات المرضى (كحرمانهم من الحقنات الشهرية التي أتبت فاعليتها في الحفاظ على تتبع العلاج). -سكوت القانون تماما عن الممارسات العلاجية العشوائية مثل صرع الجن, و والشعوذة والسحر, وعدة تجاوزات خطيرة قد تودي بحياة المريض. -إن تشديد إجراءات الدخول والخروج من المنشآت النفسية قد يدفع المرضى النفسيين و عائلاتهم للبحث عن العلاج في أماكن أكثر بساطة فيفضلون العلاجات الشعبية أو الدينية غير المتخصصة على العلاج في المستشفيات. حيث كلما كان القانون متشددا كلما كان تطبيقه صعبا في الواقع. ولكن مع كل ما ذكرنا لا يسعنا إلا شكر من قاموا على صياغة أو تعديل أو مناقشة هذا القانون الهام, ولا نغفل ما بالقانون من إيجابيات, ويكفيهم شرف المبادرة والمتابعة والإنجاز, بل نقدم لهم الشكر الجزيل لتفهمهم لملاحظتنا و توجيهاتنا حيث التزم الوزير شخصيا و خلال عدة لقاءات كان آخرها أمام لجنة القطاعات الإجتماعية بالبرلمان تأكيده على ضرورة تعديل هذا القانون بتشارك مع المهنيين و المجتمع المدني. وبناء عليه قدمنا كجمعية مجموعة من المقترحات والمواصفات العامة التي نتوخاها في القانون الجديد:، ومنها -أن يكون قانونا متلائما مع المجتمع الذي صدر ليخدمه, و متناغما مع ظروفه وثقافته واحتياجاته, مع تفادي النزوع إلى الفردية في القرارات التي تخص المريض النفسي وكأنه مقطوع الصلة تماما عن عائلته, وهي سمة المجتمع الغربي, في حين أننا في المجتمع المغربي ما زلنا نعيش في الإطار العائلي وما زالت العائلة ترعى وتحمي وتساند وربما تمارس بعض الوصاية على أبنائها مقابل كل هذا, وهذا ليس عيبا فينا ولا ميزة عند الغرب. وتفادي كف يد العائلة, وإعطاء الحرية المطلقة للمريض في تقبل العلاج أو رفضه وفي دخول المستشفى أو الخروج منه, حيث يجب أن نضع في الاعتبار غياب مؤسسات رعوية بالمغرب تتلقى المريض الرافض للعلاج وترعاه, وغياب مجتمع مدني قوي يحل محل رعاية العائلة أو وصايتها حين يحتاج المريض إلى هذا أو ذاك في ظروف بعينهاوهذا ما يوجد بالتحديد في المجتمع الغربي. -أن يتم التشاور مع أبناء المهنة, وخاصة الخبراء المحليين في الطب النفسي وهم يجمعون بالطبع بين الرؤية المحلية والعالمية. -أن لا يجعل رقابة المجتمع تصل إلى درجة التشكيك في سلامة قصد الطبيب, أو تجعله في موقف دفاعي ينشغل فيه طول الوقت أو أغلب الوقت بحماية نفسه من مواد القانون المتعددة والمقيدة. -أن يحظى بالقدر الكافي من المناقشات والمراجعات والتعديلات على مستوى أهل المهنة والمهن ذات العلاقة, وعلى مستوى المجتمع المدني, فكلما تعددت العقول قلت السلبيات وسدت الثغرات وتحسنت النتائج, خاصة وأن القانون الجديد ربما يسري ستون سنة أخرى. -أن يكون واقعيا وقابلا للتطبيق في المجتمع الذي صدر من أجله على وجه الخصوص, و أن يأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية لقطاع الصحة النفسية بالمغرب و الموارد البشرية المتوفرة.
مشروع القانون 71-13 الذي اصدرته وزارة الصحة يتعلق بمكافحة الإضطرابات العقلية وحقوق مرضاه.. أصدرت وزارة الصحة مشروع قانون مباشرة بعد إنهائه لعملية "كرامة" التي حرر من خلالها نزلاء ضريح "بويا عمر" بعدما كانوا محتجزين، واستقبال مستشفيات البلاد ل795 منهم، حيث أصدر وزير الصحة، الحسين الوردي، مشروع قانون يتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وحقوق مرضاه، حيث ينص على ضرورة حماية الحقوق الأساسية والحريات الفردية للأشخاص المصابين باضطرابات عقلية، محددا المبادئ العامة التي يجب أن يخضع لها التكفل بهؤلاء الأشخاص في مستشفيات المملكة. ويؤكد مشروع القانون على ضرورة احترام الكرامة الإنسانية لهؤلاء الأشخاص، وحياتهم الخاصة وسرية المعلومات المتعلقة بهم، داعيا إلى أخذ الموافقة المسبقة والصريحة، والحرة لهؤلاء الأشخاص على العلاج أو إذا تعذر ذلك موافقة أحد أقاربهم. وعلاقة بفضاءات العلاج، شدد مشروع القانون الحكومي، على أن علاج هؤلاء الأشخاص يجب أن يكون في بيئة أقل تقييدا لتمتعهم بحقوقهم، وبحرياتهم الأساسية"، مشيرا إلى ضرورة تحديد المؤسسات الصحية التي تعنى بالوقاية من الاضطرابات العقلية وبعلاج الأشخاص المصابين بها.. وبعدما دعا مشروع القانون إلى إعادة تأهيل وإدماج هؤلاء المرضى اجتماعيا، أكد على ضرورة، التنصيص على وجوب توفرها على نظام داخلي، وعلى بنايات وتجهيزات وموارد بشرية ستصدر بشأنها نصوص تنظيمية. وسيتم وفقا للنص القانوني المذكور إحداث لجنة وطنية، ولجان جهوية للصحة العقلية، تتألف من أطر قضائية وطبية، وإدارية وممرضين وممثلي عن جمعيات المجتمع المدني للقيام بدور هيئة المراجعة"، مبرزا أن من مهامها "السهر على احترام الحقوق المعنوية المرتبطة بالكرامة الإنسانية، للأشخاص المعنيين، وتفادي كل مساس بحقوقهم الأساسية، وخلق التوازن بين احترام الحقوق الأساسية للأشخاص المذكورين ومتطلبات النظام العام والسلامة". كما شدد مشروع القانون على إخضاع مؤسسات الصحة العقلية لعمليات تفتيش يمكن أن يقوم بها حسب الحالة ضباط الشرطة القضائية، أو المفتشون المنتدبون خصيصا لهذا الغرض، من طرف الإدارة أو الوكيل العام للملك المختص ترابيا. ويحق لكل شخص مصاب باضطرابات عقلية، وفقا لمقتضيات مشروع القانون الجديد، أن يعيش قدر الإمكان في المجتمع وأن يتم علاجه في الوسط الذي يعيش فيه، إذ له الحق في التعليم والتكوين، وإعادة التأهيل والقيام بكل عمل منتج أو ممارسة أي نشاط يتلاءم مع قدراته.. ولمكافحة الاضطرابات العقلية نص مشروع القانون على أن تعد الدولة السياسات والاستراتيجيات اللازمة، مشيرا أنها تعمل على تنفيذها بتعاون مع الإدارات العمومية المعنية والمؤسسات الصحية التابعة للقطاعين العام والخاص والجمعيات.