لحظات الاحتضار هي الأصعب في حياة كل خائن . ولعل محمد عبد العزيز المراكشي عاشها بكل تفاصيل الغصة والمرارة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل إحدى مستشفيات العاصمة الجزائر. عذاب الخائن عبد العزيز في قبل شهقة الموت أكيد أنها مضاعفة. فلا الانفصالي الأكبر رأى ثمرة خيانته متحققة على الأرض، ولا هو انتشى بأي شكل من أشكال العزاء في فقدان مغربيته وأصوله. ينتهي اسم خائن كبير هذا المساء من هذا العالم، مجترا ورائه حسرة، فقط سرمدية الأبد، قادرة على احتوائها. قبل يوم واحد عن رحيله، علمنا في الأحداث المغربية من مصادر موثوقة، بأن عائلته وافقت على إدخاله للغيبوبة الاصطناعية، بعد ما تقدم بهذا الطلب عبد العزيز نفسه، قبل أسابيع في محاولة يائسة لتخفيف آلام المرحلة الأخيرة من سرطان الرئة الذي فتك بجسمه الواهن أصلا، قبل سنوات . محمد عبدالعزيز، أو عبد العزيز المراكشي كما أسماه الملك الراحل الحسن الثاني، هو أحد مؤسسي الجمهورية الوهمية و الأمين العام للجبهة المرتزقة. المرض السرطاني الذي أصاب محمد عبد العزيز المراكشي غيبه طويلا عن المشهد السياسي لأنشطة جبهة البوليساريو، فلم يتمكن من حضور قمة الإتحاد الإفريقي الأخيرة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. كما لم يستطع لقاء ممثلة الأممالمتحدة على رأس بعثة المينورسو الكندية كيم بولدوك. ولد في 17 غشت سنة 1948 بمدينة مراكش، تابع دراسته الثانوية بمدينة مراكش، والجامعية في مدينة الرباط إلى تاريخ سبتمبر 1975. ظل قائدا عسكريا في الجبهة المرتزقة حتى انتخابه بعد موت الولي مصطفى السيد الركيبي مؤسس جبهة البوليساريو، وأمينها العام في نواكشوط عاصمة موريتانيا في 9 يونيو 1976. أحكم قبضته منذ ذلك الحين على قيادة الجبهة ونجح في سحق الانتفاضات التي شهدتها مخيمات اللاجئين في تندوف جنوب غرب الجزائر، بدعم تام وشامل من الدولة الجزائرية. عبد العزيز المراكشي شارك في جل العمليات العسكرية التي قادتها الجبهة ضد الجيش المغربي، قبل وقف إطلاق النار، وتورط بصورة مباشرة في اغتيال العديد من الجنود المغاربة خلال هذه العمليات. لم يكن يوما واحدا قائدا حقيقا، بل ظلا لحكام الجزائر في ‘‘ولاية تندوف‘‘. استفاد من كل الدعم الذي منحته الجارة الشرقية فقط ليقلق المغرب في سيادته على ترابه. انتهى به الأمر مؤخرا، بعد فشل الدعاية الإعلامية للبوليساريو في تهويل الوضع الحقوقي داخل الأقاليم الجنوبية للمغرب، وبعدما لم تتمكن البوليساريو من إقناع مجلس الأمن بجدوى توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة الوضع الحقوقي بالصحراء الغربية،إلى التلويح بالعودة إلى حمل السلاح في مناورة مستهلكة لأسطوانة مشروخة جرت عليه استفسارات شتى من قوى إقليمية وعالمية. في حياته، صم قائد البوليساريو أذنيه أمام دعوات والده، الصحراوي المغربي الأصيل محمد البشير الريكيبي، بالعودة عن ‘‘ الغي ‘‘ والدخول لأرض الوطن إسوة بالآلاف من الصحراويين الذي فهموا في لحظة ما من تاريخ هذا الصراع المفتعل، أن المغرب أكبر بكثير من كل محاولات التغرير. عبد العزيز رفض الاستجابة أيضا لنداء والده عندما كان على فراش المرض، منتظرا رؤيته قبل أن يرحل عن هذا العالم. عبد العزيز المنحدر من قبيلة الركيبات، واحدة من أهم قبائل الصحراء المغربية، ابن الخليلي بن محمد البشير الركيبي من قبيلة الركيبات، ينتمي لأسرة بدوية لم تكن تستقر في مكان معين، كانوا رحلا بحثا عن الماء والكلأ ولد سنة 1925 بالساقية الحمراء، مع العلم أن امتداد القبيلة كان يصل إلى الحمادة الغربية على مشارف تندوف . في عام 1956 جاء البشير الى مدينة كلميم التي كان ينظم بها أكبر سوق للإبل في الصحراء، وكان يرافقه شقيقه محمد سالم وبحوزتهم 100 من الابل، جيئ بها للبيع، وأثناء وجودهم في كلميم علموا بأن السلطان سيدي محمد بن يوسف (الملك محمد الخامس) عاد هو وأسرته من المنفى، وان هناك وفداً من القبائل في طريق التشكل للذهاب الى الرباط لمبايعة السلطان، فتركا ما كان بيديهما وانضما إلى وفد القبائل المتوجه إلى الرباط، وعندما وصلوا إلى الرباط استقبلهم السلطان مرحبا وأكرم ضيافتهم . قبل استقلال المغرب شارك والد عبد العزيز في مقاومة الوجود الفرنسي في منطقة فم لعشار جنوبكلميم، بالاعتماد على أسلحة كانت تأتي مع عناصر جيش التحرير القادمة من الشمال. يرحل عبد العزيز المراكشي، ويترك ورائه وضعا متأزما في مخيمات تندوف، سواء فيما يتعلق بخلافته، أو فيما يتعلق بالأوضاع العامة الداخلية للجبهة المتأثرة كثيرا، بالوضع الجزائري الداخلي الذي يشهد أزمة مزمنة، اقتصادية وسياسية بالنظر للحالة الصحية المتدهورة لرئيس الدولة وصراع الأجنحة حول خلافته أيضا، وكثرة العائدين من مخيمات تندوف إلى المغرب وقبولهم بالعودة والاستقرار في المغرب، و ظهور بوادر الانشقاق داخل جبهة البوليساريو، أو قيادتها تحديدا، إذ من المعروف أن عبد العزيز أحاط نفسه بمعاونين ومقربين ينحدرون في الغالب من قبيلته الركيبات، في تهميش واضح وممنهج لتمثيلية باقي القبائل في مختلف أجهزة القيادة الانفصالية. بالإضافة إلى الصراع غير المعلن بين جناحي ‘‘ الصقور ‘‘ الذي يمثله ابراهيم غالي ممثل الجبهة في مدريد المقرب من عبد العزيز، والجناح المعتدل الذي يمثله عمر منصور الداعي لضرورة استمرار التفاوض مع المغرب من أجل إيجاد حل سلمي متفق عليه، و تراجع حماس فئات عريضة من محتجزي تندوف في الانفصال النهائي عن المغرب بسبب تحويل المساعدات الدولية، خصوصا الأوروبية، وعدم وصولها للمحتاجين الحقيقيين. غير مأسوف عليه، يقضي عبد العزيز هذا المساء أول لياليه في العالم الآخر. يغادره بسخط الوطن والوالدين، في أسوأ تصور لميتة إنسان كما يتخيلها المغاربة. فقط أزيز الخلاء هناك في تندوف هو آخر ما سمعت أذناه، واجترار غصة حلم لم يره متحققا ولن يراه بعده كل واهم بإقامة جمهورية مزعومة في ظهر المملكة. نهاية عبد العزيز المراكشي: نهاية وهم.