«غير نهز بنتي ونحيد من هنا». «آسيدي، حيد عليا طوموبيلتك»، «غير نهز البنية بسرعة ونمشي». «قلت ليك حيد عليا الخرشاشة ديالك من هنا». «علاش؟ ياك هادي سطاسيون ماشي طريق ديال الشانطي؟». «هادا راه ممر ديال الملك، حيد عليا الطوموبيل». «الممر ديال الملك من طريق الشانطي ماشي من وسط السطاسيون». ابتدأ الحوار بهذا الشكل وانتهى عند صراخ شديد مني ومن أسلاك أمن مختلفة، منها ما أعرف ومنها ما أجهل هويته، وتوسطته عبارات نابية «غاية في الذوق والكلاس» من أناس فهمت فيما بعد أن بعضهم من شرطة المرور والبعض الثاني من الشرطة الحضرية والبعض الثالث يقدم نفسه باعتباره من حرس القصر الملكي بالدارالبيضاء. أصل الحكاية ذهابي بعد زوال الثلاثاء قرابة الخامسة لكي أصطحب صغيرتي زينب من الحضانة التي توجد فيها. الحضانة توجد على بعد أمتار قليلة من القصر الملكي بالدارالبيضاء، وآباء وأولياء التلاميذ الموجودين في تلك المدرسة يعرفون مع كل زيارة ملكية للبيضاء أنهم ملزمون بتغيير مكان الوقوف لانتظار أبنائهم، حيث يدلفون دون أدنى إشكال إلى محطة الوقود التي توجد قربها لكي يتركوا طريق السيارات خاليا. أمر يتكرر دائما ولم يخلق أي إشكال على اعتبار أن مدة وقوفهم في المحطة لاتتعدى مدة الدخول إلى المدرسة وإخراج الإبن أو الإبنة ثم الانصراف. ذلك الثلاثاء كان لشرطي المرور الواقف هناك رأي آخر، وهو الأمر الذي تطور إلى شجار فارغ ولا معنى له، وجدت خلاله نفسي مخيرا بين مسألتين: أن أتشبث بحقي في الوقوف في مكان مسموح به قانونيا، وأن أطالب بإنجاز محضر يتضمن كل العبارات النابية التي أطلقها تجاهي رجال أمن -ياحسرة – أو أن أزدرد الإهانة وأمضي لحال سبيلي. في لحظة من اللحظات بدا لي أن الأفضل قانونيا هو أن أتشبث بالمتابعة وأن أطبق مثل المغاربة الشهير «كبرها تصغار» لأن صمتنا على تجاوزات بعض الصغار من الأمنيين هو الذي يجعلهم يعتقدون أن كل شيء مباح لهم، لكن أشخاصا موجودين في عين المكان ذكروني بحقيقة عارية ومغربية مائة في المائة «غادي تمشي معاهم لمحضر غادي يكون كلامك بوحدهم قدام الكلام ديال رباعة ديال البوليس سري وعلني وكلهم محلفين، شنو غادي يكون المصير ديال المحضر ديالك؟». أضاف مخاطبي بعدها «تخيل لو أن مواطنا عاديا هو الذي دخل معهم في هذا النزاع، لحسن الحظ أنهم عرفوا صفتك الصحفية». نفس الكلام قاله لي زميل في اليوم الموالي «نتا حمد الله راه وصلو معاك غير للسبان وتخسار الهضرة وجبدو ليك والديك، أنا راه ضربوني واحد النهار فنفس البلاصة ومشيت بحالاتي طلبا للسلامة وعدم الدخول في المشاكل». انتهى فصل الثلاثاء بكلمات وهمهمات غير واضحة، وبشرطي مرور كان عابرا فوق دراجته السكوتر من بعيد ولمح «الجوقة» فأتى مسرعا لكي «ينجد زملاءه ويمد لهم يد العون»، حيث شرع في سبي وشتمي بمجرد وصوله وهو يشير إلى علامة الصحافة في السيارة «يسحاب ليك غادي نتخلع من هادي»، قبل أن يشرع في توجيه النصح لزملائه الذين بدوا له مكتفين بالكلام «عطيو لمو يلا مابغاش يمشي». عادة أعشق الأيام التي يكون فيها ملك البلد في الدارالبيضاء. ليلة الثلاثاء ساورني شعور غريب بعض الشيء. لم أستطع أن أمنع نفسي من ترديد عبارة واحدة طيلة الليلة كلها «سيدنا ماكيقولش ليكم حكرو على شعبو»، وهي العبارة التي ظللت أرددها على مسامع كل أولئك المحيطين بي بعد زوال الثلاثاء دون أدنى أمل في أن يفهموا حقا. غصة ما في حلقي قالت لي أول أمس إننا «مابنادم ماوالو فهاد البلاد. نحن نعيش هنا وصافي».