تتجسد في شخصية اريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، كل تطورات الإنسان المغربي خلال الخمس عقود الأخيرة . سليل زاوية الخمار بالريف شمال المملكة تربى في كنف تقليدي بتربية دينية، استمرت في سنوات الدراسة الأولى. في سنوات الصبا الأولى سقط اليزمي صريعا في هوى الفن والموسيقى، وسرعان ما تردد على فرقة محلية هناك في مسقط رأس الآباء والأجداد بجماعة أولاد إزام في إقليمتاونات، ليشارك في إنشاد أغاني الطقطوقة الجلية ذات البعد الصوفي الواضح . في الثانوية بفاس تطور الوعي السياسي لادريس ليصبح يساريا كما اقتضت موضة ذلك العصر، في الأوساط الدراسية في كل دول العالم الثالث وليس المغرب فحسب . البعد اليساري لليزمي سيأخذ أبعادا أكثر ‘‘راديكالية‘‘ في تجربته الفرنسية، وسرعان ما سيتحول إلى واحد من أشد المعارضين لنظام الحكم في المغرب. موقف سياسي سيؤدي غاليا بعد أن حكم عليه بالسجن المؤبد غيابيا في المغرب، وسيدفعه للابتعاد عن الوطن سنينا أخرى. بعد التطبيع مع العهد الجديد، عاد ادريس اليزمي للمغرب ، وما هي إلا سنوات حتى أصبح من كبار الشخصيات الوطنية، في الامتداد الجديد للنظام الذي طالما عارضه، بعد ترأسه لمجلس الوطني لمغاربة الخارج، ثم المجلس الوطني لحقوق الإنسان فيما بعد . ولد ادريس اليزمي في فاس سنة 1952 وغادر المغرب عن سن الثامنة عشر قاصدا فرنسا العام 1970، في نفس السنة التي حصل فيها على شهادة الباكالوريا من ثانيوية مولاي ادريس. لم يتصور حينها الشاب اليساري المتشبع بالحماس الثوري، أن 27 سنة بعد هذا الاختيار سيعين على رأس مجلس الجالية الذي يمثل أزيد من 5 ملايين مغربي يعيشون في كل أرجاء المعمور . اختيار لم يأت من قبيل الصدفة ، فمنذ حلوله بفرنسا لاستكمال الدراسة بمارسيليا بالمدرسة العليا للتجارة بعد حصوله على المنحة ، احتك ادريس بكل الأعراق التي عاشت في فرنسا المهجر ، واتخذت منها منبرا للدفاع عن كافة قضاياها الإنسانية أو السياسية. كما سيحتك باساتذة علقوا في ذاكرته وبصموا مواقعهم فيها، مثلما بصموا أسلوب تفكيره وفتحوا أمامه آفاق المعرفة المختلفة، كالأستاذ م . بيسوم الذي كان أول من أهداه رواية للكاتب الروسي ألكسندر سولجينستين. الأستاذ بيسوم المعارض السابق للنظام الستاليني في الاتحاد السوفيتي البائد فتح أعين ادريس اليزمي على حقيقة الوضع الإنساني في كل نظام سياسي، وهو ما سيؤثر لاحقا في رؤيته حول هذا الموضوع بالتحديد . منتصف السبعينيات تعلق ادريس اليزمي بمواضيع مجلة ‘‘ أنفاس ‘‘ التي كان ينشطها الكاتب والمثقف عبد اللطيف اللعبي وثلة من كبار المثقفين المغاربة، والتي كانت تسعى لإحداث ثورة في المجتمع المغربي من منطلق ثقافي. في نفس الفترة سينخرط اليزمي في الدفاع عن القضية الفلسطينية كما كان يقتضيه الحس الثوري في منتصف السبعينيات. ثم عانق قضية المهاجرين المغاربيين في فرنسا ثم العمال العرب. بعد نضال طويل من أجل قضية ‘‘ الوثائق الإدارية ‘‘ مع المهاجرين السريين، وخوضه لإضراب عن الطعام، قررت فرنسا طرده من ترابها، فتلقفته الأجهزة الأمنية المغربية مباشرة بعد وصوله إلى الوطن . احتجز في الرباط في معقل مخصص للمهاجرين ثلاثة أشهر، تمكن في نهايتها من الهرب والعوة إلى فرنسا لاستكمال سنوات منفاه الاختياري . في هذا الفترة أيضا عانت عائلة اليزمي كثيرا مع مواقف أبنائها النضالية والسياسية، وتعرضت للكثير من الهزات خلال سنوات الرصاص ، فادريس الهارب من حكم بالمؤبد صدر في حقه غيابيا العام 1977، لم يكن محنتها الوحيدة. الابن الآخر، عبد العالي، سيقبع في سجن القنيطرة سنوات طوال بعد أن صدر في حقه حكم آخر ب 22 سنة سجنا نافذا. حتى فرحة معانقته للحرية لم تدم طويلا، فسرعان ما تلقفه المرض اللعين أشهرا قليلة بعد مغادرتة للزنزانة . وضعية سجناء الرأي والسياسة في المغرب ستصبح قضيته الجديدة بعد صدور الأحكام في القضية التي أدين فيها شقيقه، حيث سيسعى لتعويض السجناء في إطلاع الرأي العام الفرنسي حول انتهاكات حقوق الانسان في المغرب. نضال جعله يتخلى نهائيا عن دراسة التجارة، ويتحول للصحافة التي سيبدأ في تعلم أبجدياتها في العام 1980 . ادريس اليزمي سيكرس تجربته الصحفية للدفاع على قضيتين أساسيتين : حقوق الانسان والهجرة . المشوار النضالي الطويل لادريس اليزمي جعله محط اهتمام من قبل العصبة الفرنسية لحقوق الانسان التي سيصبح نائب رئيسها فيما بعد . توهج قيمي ونضالي سيمنحه شرعية أخرى حين شغل منصب الأمين العام للفيدرالية الدولية لحقوق الانسان. وبالتزامن مع هذه المناصب استمر اليزمي في ممارسة شغفه الذاتي : الصحافة، من خلال إشرافه على مجلة ‘‘ الهجرة ‘‘. سنة 2005 كانت المنعطف الأكبر في حياة المناضل الحقوقي عندما استدعاه الراحل ادريس بنزكري لمد يد العون في التصور الجديد للمغرب الحقوقي، بعد إحداث لجنة الإنصاف والمصالحة الرامية إلى تجاوز حقبة سوداء في تاريخ المغرب، عبر آلية جبر الضرر ورأب الصدع بين ضحايا المرحلة المسماة سنوات الرصاص والمسؤولين عليها . سنوات بعد ذلك كان اليزمي من بين الحقوقيين المغاربة الذين وضعوا أسس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في حلته الجديدة . اليوم يخوض اليزمي اشكالا نضالية أخرى من أجل تعزيز ثقافة حقوق الانسان في المغرب، وتحويلها إلى آليات قانونية وإجرائية تصون كرامة المواطن وتحديدا الفئات الهشة اجتماعيا وثقافيا. وإذا كان خصم الأمس في المسألة الحقوقية – الدولة بمؤسساتها المختلفة – قد أصبح يدافع عن الحق الإنساني من نفس الخندق الذي يمارس فيه اليزمي، فإن خصوما آخرين ، أكثر تأثيرا في المجتمع وطبقاته الدنيا تحديدا، يقفون في وجه كل تطور وتحديث . من الإجهاض إلى الإرث ، فهم اليزمي، من خلال ما اثر حول تصريحاته في الموضوعين، بأن نضالات أخرى ما تزال تنتظره، من داخل المؤسسات هذه المرة . تواريخ هامة 1952 : الولادة بفاس 1970 : استكمال الدراسات العليا تخصص تجارة في فرنسا 1977 : الحكم عليه غيابيا بالمؤبد 1984 : إخراج شريط ‘‘ فرنسا أرض الهجرة ‘‘ 2005 : العودة لأرض الوطن والمشاركة في الجلسات الأولى للجان الإنصاف والمصالحة 2007 : رئيسا لمجلس الجالية 2013 : رئيسا للمجلس الوطني لحقوق الانسان