احتضنت العاصمة البلجيكية بروكسيل يوم الإثنين 7 مارس الحالي، بفندق "طون ستيفاني"، مناظرة مهمة نظمها "منتدى الحوار الأورو-متوسطي" حول الدور الذي تلعبه الديانات السماوية الكبرى في مواجهة كل أشكال الراديكالية والتطرف والتشدد التي أضحت تؤرق الإنسانية جمعاء في مشارق الأرض ومغاربها. المناظرة شارك فيها كل من الدكتور خالد حجي الكاتب العام للمجلس الأروبي للعلماء المغاربة، والحاخام الأكبر لبروكسيل ألبير جيجي، ومساعد أسقف مدينة "مالين" ليون ليمنس، وهنري بارطولوميس رئيس "مركز الحركة اللائكية". وقد سير المناظرة بحنكة كبيرة الأستاذ البلجيكي بيير لوگرو نقيب المحامين السابق ومؤسس جمعية (محامون بلا حدود). الدكتور خالد حجي، الكاتب العام للمجلس الأروبي للعلماء المغاربة، أوضح خلال تدخله أن "المسلمين المغاربة كانوا دوماً يعيشون في وئام وسلام مع إخوانهم اليهود والمسيحيين في بيئة تفرض احترام معتنقي الديانات الأخرى وعدم المساس بحرماتهم". كما تطرق حجي إلى بعض الأسباب التي تدفع بالشباب المسلم بأوربا إلى الوقوع في مصيدة التيارات الإرهابية الهدامة التي تأتي على الأخضر واليابس، كأزمة "الهوية المزدوجة والتخلف والجهل اللذان يؤديان إلى العصبية بمختلف أشكالها، والتي تؤدي في الأخير إلى التطرف"، داعياً إلى إعطاء "العناية الفائقة بالمدرسة لتلقين التعليم الصحيح" البعيد عن نشر خطابات التحريض على الحقد والكراهية والعنف، وذلك بنشر وتعميم "مفاهيم حقوق الإنسان، وأن تتضمن مناهجنا التعليمية الأفكار والقيم الإنسانية النبيلة وإبراز هذه القيم من خلال القيم المشتركة لجميع الأديان السماوية، وأن تتضمن قبول بَعضنا للبعض الآخر بغض النظر عن الإنتماء الديني أو الطائفي أو العرقي". في السياق ذاته، أكد الدكتور حجي على الدور الذي "يجب أن يلعبه رجال الدين في تأطير المواطنين وحثهم على الإندماج الفعلي والإيجابي في المجتمعات الأروبية". من جهته، أشاد الحاخام الأكبر لبروكسيل ألبير جيجي ب"الدور الطلائعي الكبير الذي ما فتئ يلعبه المغرب في نشر قيم التسامح والتعايش بين الأديان السماوية"، موضحاً أن المغرب "معروف ومشهود له عالميا بإسلامه المعتدل، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون واليهود منذ قرون في تعايش نموذجي وتسامح فريد من نوعه في العالم العربي الإسلامي"، حيث أن ثقافة التسامح والتعايش في المغرب يجب أن "تشكل نموذجاً متميزاً لباقي البلدان ليس فقط الإسلامية منها بل أيضا الغربية"، يضيف المتحدث. الحاخام الأكبر لم يدع الفرصة تمر، ليذكر الحاضرين ب"التقدير الخاص والإحترام الكبير الذي يكنّه اليهود المغاربة للملك الراحل محمد الخامس رحمه الله، الذي أسدى خدمات جليلة لفئة من رعاياه، ولم يتخل عنهم في أحلك الظروف خلال مرحلة اجتياح الحكم النازي العديد من دول العالم بما فيها المغرب الذي كان خاضعا للانتداب الفرنسي الذي سقط بدوره في يد النازية على عهد حكومة فيشي الفرنسية". وبهذا المعنى، يضيف الحاخام الأكبر لبروكسيل ألبير جيجي "قدم الملك الراحل محمد الخامس للفرنسيين و للعالم بأسره درساً بليغاً في الأخلاق والشجاعة والدفاع عن قيم الحداثة والتسامح والإيمان بالتعدد، لحظة رفض تطبيق قوانين فيشي النازية والعنصرية على اليهود المغاربة، فكان جوابه أنه لا يوجد لديه يهود بقدر ما يوجد هناك مواطنون مغاربة لا فرق فيهم بين اليهودي والمسلم". وحث الحاخام الأكبر لبروكسيل على "ضرورة عدم الخلط بين التطرف والإسلام لأن الدين الإسلامي بريء من كل الأعمال الإرهابية التي يقترفها بعض منعدمي الضمير من مرضى القلوب". ودعا مساعد أسقف مدينة "مالين" ليون ليمنس في كلمته إلى البحث عن "الوصفة المناسبة لتحقيق التعايش المشترك بين جميع الديانات، وهذا لن يتأتى إلا بالحوار وقبول الآخر لأن المسألة لا تقوم على جدل من يستطيع أن يكسب الآخر لصالح ديانته أو معتقداته، وإنما هو مفهوم يبدأ بالقبول غير المشروط للآخر". كما طالب ليمنس بالعمل على ترسيخ ثقافة التسامح والعيش المشترك ونبذ الكراهية والعنف. كذلك ساهم هنري بارطولوميس رئيس "مركز الحركة اللائكية" بأفكاره واقتراحاته في إثراء النقاش الذي كان غنياً ومتنوعاً من حيث مضامينه المهمة، وهي المضامين التي يجب مضاعفة الجهود المشتركة في جميع المحافل الإقليمية والدولية لإبرازها باستمرار في زمن توسع الظاهرة الإرهابية وتمددها خارج الحدود الوطنية كما هو الحال مع تنظيم "داعش" الذي أضحى يشكل خطراً حقيقياً على الجميع.