في الوقت الذي فيه كان فيه، مكتب الإحصاء الاتحادي، يعلن من مقره في مدينة فيسبادن (وسط غرب ألمانيا) عن تحقيق البلاد لأعلى فائض في موازنتها بنحو 19،4 مليار يورو في السنة الماضية. وهو مبلغ قياسي، منذ إعادة توحيد شطري البلاد، وذلك بفضل النمو الاقتصادي المستقر والانتعاش في سوق العمل، في الوقت نفسه كان اتحاد منظمات الرعاية الاجتماعية، يحذر من برلين، من تزايد نسبة الفقراء في ألمانيا بالرغم من النمو الاقتصادي الذي تعرفه البلاد بحسب تقريره السنوي حول الفقر في ألمانيا. فيبدو أنه بالرغم من تحقيق هذا الفائض الذي يشكل صفر فاصل ستة من الناتج الداخلي الاجمالي، إلا أن شريحة واسعة من المجتمع الألماني، لا تستفيد من ذلك، لتسجل نسبة الفقر في ألمانيا عالية نسبة عالية. إذ يطال الفقر، نحو 12.5 مليون نسمة، غالبيتهم من العاطلين عن العمل والمتقاعدين والأشخاص غير المؤهلين مهنيا والأجانب والأسر الكثيرة الأطفال، والأمهات والآباء العزاب. وأشار الخبراء الذين قدموا مضمون التقرير إلى وجود فوارق كبيرة في الأجور، إذ أن الزيادة في الأجور استفاد منها بالأخص ذوي الأجور المرتفعة. تحدد معايير الاتحاد الأوروبي الانسان الفقير، كل شخص يكون دخله اقل من ستين في المئة من الدخل العادي. ويبقى التحذير القوي الذي اطلقه التقرير المذكور، نسبة الفقر في صفوف متقاعدي أقوى اقتصاديات أوروبا، التي ارتفعت بستة وأربعين في المئة في العشر سنوات الماضية. وفي هذا الاطار قال أولريش شنايدر أمين عام اتحاد منظمات الرعاية الاجتماعي: "علينا أن نتوقع أن الفقر سيرتفع بشكل ملحوظ بين المتقاعدين في السنوات العشر المقبلة. ومرة أخرى، نؤكد أننا أمام كرة ثلج، يكبر حجمها باستمرار، إذا لم تكن هناك أي حلول سياسية." يلعب المجتمع المدني دورا كبيرا في التخفيف من معاناة المحتاجين وذوي الدخل المحدود. وفي هذا الصدد تم تأسيس عدة مبادرات، من بينها جميعات "تافل". تأسست هذه الجمعيات انطلاقا من المفارقة التي ترى أنه يوميا، يتم في ألمانيا اتلاف الأطنان من المواد الغذائية بالرغم من أنها لا تزال صالحة للاستعمال. هذا في الوقت الذي لا يجد فيه ميلايين الأشخاص ما يسدون به رمقهم. لذا تحاول هذه الجمعيات لعب دور الوسيط، لتصل هذه المواد إلى المحتاجين، بالمجان أو بأثمان جد رمزية، بدل كبها في قمامات الأزبال. فكل شخص، أثبت أن دخله ضعيفا، بامكانه الحصول على المواد الغذائية من تسعمئة فرع للجمعية في ألمانيا. كان أول تأسيس لجمعيات "تافل" في سنة 1993 في برلين. وتعود المبادرة إلى جمعية نسائية برلينية، اهتمت بتحسين شروط عيش البرلينيين بدون مأوى، مقتفية آثر City Harvest النشيطة في نيويوركالأمريكية. ويقوم متطوعوا الجمعية الذين يتجاوزوا الستين ألف شخص، بتجميع وفرز المواد الغذائية الفائضة من المطاعم والمراكز التجارية والفنادق، وعرضها في المحلات التابعة للجمعية والتي تتجاوز أكثر من ألفين محل في كامل تراب ألمانيا، ليستفيد منها المحتاجون وأصحاب الدخل المحدود. من بين الفئات التي اعتبرها التقرير، ضحية للفقر أيضا، نجد الأجانب. وهنا لابد من الاشارة إلى الكتاب الهام الذي سبق أن أصدرته شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا "ماوراء الريف والرور" بمناسبة مرور خمسين سنة على الهجرة المغربية في ألمانيا. إذ يعتبر الكتاب أن الجالية المغربية، وخاصة أبناء الجيل الثاني، يعيشون أوضاع الفقر والهشاشة، نظرا للهدر المدرسي وعدم الحصول على فرص للتأهيل المنهي، ما أثر على ولوجهم إلى سوق العمل. وبالعودة إلى مبادرة "تافل"، قد تبدو فكرة جيدة لنقلها إلى المغرب، الذي يعاني هو الآخر من نفس المفارقة، حيث الأطنان من المواد الغذائية الصالحة للاستعمال ترمى في القمامات. هذا في الوقت الذي توجد فيه أعداد كبيرة من المحتاجين وعابري السبيل. محمد مسعاد