قبيل انطلاق حركة 20 فبراير في خوض مسيراتها، شهدت عدة مدن مغربية تواترا في الاحتجاجات القطاعية والسكانية، رفعت مطالب اجتماعية، وكانت هناك اعتصامات لسكان وفئات عمالية وموظفين، خلال هذه الفترة أعطت وزارة الداخلية تعليماتها لولاتها وعمال الاقاليم بالخروج من مكاتبهم والحوار مع الناس لنزع فتيل الاحتجاج، وهي العملية التي لم تدم طويلا إذ سرعان ما عاد العمال والولاة إلى مكاتبهم، ليتبين أن جلهم مازال يعمل بعقلية «الحملة»! وحده والي مراكش سار في الاتجاه المعاكس وحافظ على المساعي الحميدة في حل مشاكل المواطنين بالحوار والانصات لهموهم حتى أن مكتبه لا يكاد يخلو من الناس، وقائع كثيرة نسوقها لإتباث أن الحوار أهم وسيلة لتفادي الاحتقان، منها دفاعه المستميت على المواطنين خلال جل الاجتماعات التي عقدت حول مشكل فواتير الماء والكهرباء وانتقاده الدائم لطريقة تدبير هذا القطاع، حواره باستمرار مع سكان الدواوير والأحياء العشوائية خلال احتجاجاتهم سواء سكان الحي العسكري أو دوار الحفرة وغيرهما كثير، تدخله لحل مشكل تعاونية الحليب واستقباله أعضاءها، تنقله لمحاورة سكان العطاوية الذين قاموا بمسيرة إلى مراكش بسبب غلاء مياه السقي... الحديث عن الرجل وإنصاته لمشاكل الناس ليس مديحا في شخصه، لكن من أجل أن يتخذه العمال والولاة وباقي المسؤولين عن تدبير الادارة الترابية وكل ما له صلة بالمواطنين، قدوة ويعملوا على نهجه. ماذا كان سيقع لو أن عامل تازة نزل إلى المحتجين وتحدث إليهم واستضافهم في مكتبه وحاورهم وأنصت لمشاكلهم وعمل على حل ما استطاع منها وراسل باقي الادارات لتنبيهها إلى مشاكل المواطنين؟ ألم يكن هذا العمل سينزع فتيل الاحتقان ويقطع الطريق على من استغل سياسيا وتاجر في الأحداث الأليمة التي عرفتها هذه المنطقة من الوطن؟ إن أغلب أحداث العنف التي تبدأ باحتجاجات سلمية هي ناتجة عن تهميش وإقصاء وإحساس ب«الحكرة» وشطط في السلطة وتعالي المسؤولين عن الناس. لذلك تظل عملية الانصات لشكاوي المواطنين والحوار معهم جزءا مهما من الحل لأنها تعيد الثقة إلى الادارة المغربية، وتشعر المواطن المغلوب على أمره بأنه يتمتع بكامل مواطنته وكرامته عندما يجد آذانا صاغية تنصت إليه باهتمام وتعده ثم تفي بوعودها بحل مشاكله أو تقبل اقتراحاته وتنفيذ الصالح منها. على رجال الدولة أن يحترموا المواطنين، أما احتقارهم فسيزيد من إذكاء النار التي ينتظرها أصحاب الفتن والنعرات بفارغ الصبر للمتاجرة في آلام الوطن والمواطنين.