وأخيرا ، وبعد ما يقارب الأربع سنوات، هاهي الجزائر على موعد مع استحقاقها الدستوري بعدما استدعى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة البرلمان بغرفتيه للانعقاد في جلسة خاصة للتصويت على الدستور الجديد الإربعاء المقبل، وطبعا يضمن بوتفليقة استينادا إلى أغلبيته العدددية، منذ الآن تمرير وثيقته الدستورية ولا تهمه طبعا، هو والمحيطين به اعتراضات أحزاب المعارضة التي رأت في مشروع الدستور أنه لا يخلق أي حدث سياسي في بلد يختنق سياسيا. في تفاصيل الدستور الذي يقترحه بوتفليقة مائة تعديل يندرج تحت شعار ما وصفه أحمد أويحيى مدير ديوان الرئيس ب«العقد الاجتماعي الوطني المتجدد». والذي يتوزع بين 5 محاور أساسية، تهم تقوية الوحدة الوطنية، و تعزيز الديمقراطية و دعم دولة القانون و إعطاء المزيد من العناية للقيم المرجعية، فضلا عن مسائل تنظيمية قانونية، ويظهر أن العنصر الأبرز في مشروع الدستور هو الجواب على الإنتقادات التي وجهت لتولي بوتفليقة عقده رابعة وذلك من خلال منع الرئيس القادم أو الذي يأتي بعده من الترشح لعهدة رئاسية ثالثة، و إدراج هذا المنع" ضمن المحظورات السبع، ورغم هذا التقييد فقد حافظ المشروع على الطابع الرئاسي للنظام من خلال تكريس الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، كحرية تعيين الوزير الأول والاكتفاء فقط باستشارة الأغلبية دون أن يلزمه الدستور باختياره منها. وفي محاولة منه للتجاوب مع مطالب نزاهة الإنتخابات أحدث مشروع تعديل الدستور هيئة عليا لمراقبة الانتخابات، كما كان الإشكال الهوياتي حاضرا في انشغالات واضع التعديلات من خلال التنصيص على اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية، وسعى التعديل أيضا لأن يتجاوب مع مطالب الحركة النسائية بالتأكيد على بلوغ هدف المناصفة بين المرأة والرجل، ومن عناصر الإصلاح السياسي في المشروع منع الترحال السياسي والتنصيص على تقوية مكانة المعارضة البرلمانية وضمان حرية الصحافة، وقد كان لافتا للإنتباه حضور الأزمة الاقتصادية التي تمر منها الجزائر في ذهن واضعي التعديلات الدستورية التي نصت على تشجيع إقامة اقتصاد متنوع. عموما يمكن القول أن مشروع الدستور هو تعبير عن نوايا للإصلاح السياسي أكثر منها أرضية لإعادة هيكلة النظام السياسي المغلق. وربالنسبة للمعارضة هو مشروع دستور غير توافقي ولا يخلق أي حدث سياسي يكون في مستوى الإنتظارات والمدة التي استغرقها الوصول إلى لحظة التعديل والتي قاربت الخمس سنوات، و يظهر أيضا أن الأمر لا يتعلق فقط بمقاطعة المشاورات الدستورية من طرف أحزاب المعارضة، ولكن حتى الاقتراحات التي تقدمت بها الاحزاب الداعمة لللسطة تم تجاهلها ما يعني أننا إزاء وثيقة دستورية تنتمي إلى نوعية الدساتير الممنوحة التي وضعها الرئيس والمحيط المقرب منه محاولا إضفاء الشرعية الديمقراطية عليها عبر مسطرة المصادقة البرلمانية. وفضلا عن هذه الانتقادات تلاحظ المعارضة أن مشروع الدستور يطلق سلطات الرئيس غير الخاضع للمساءلة ويقوم بتهميش دور البرلمان خاصة فيما يخص تعيين الوزير الأول ومجمل أعضاء الحكومة بطريقة تجعل النظام يبتعد عن طابعه الشبه رئاسي ليصبح نظاما رئاسيا، وحتى في الشأن الإنتخابي تم تجاهل مطلب لجنة الإشراف المستقل على الإنتخابات. وخارج النص الدستوري وعيوبه يبدو أن المعارضة تعتبر أن المشكل المطروح الآن في الجزائر هو مدى أهلية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لمباشرة مهامه كرئيس للدولة، خصوصا وأن عدم الاستجابة لمبادرة مجموعة 19 بلقاء الرئيس يزيد من تأزيم العلاقة بين بوتفليقة ومعارضيه الذين يعتبرون أن الدولة الجزائرية تعيش أزمة شرعية انتخابية يمثلها الشغور العملي لمنصب الرئيس وضعف التمثيلية التي يتمتع بها البرلمان الذي لم يشارك في انتخابه ما يقارب ثلتي الناخبين الجزائريين. لقد كان السؤال المطروح طيلة فترة إعداد المشروع الدستوري الجديد هو ما إن كان قادرا في منهجيته ومضامينه على احتواء أجوراء الإحتقان التي تعيشها الطبقة السياسية الجزائرية وخصوصا حالة الاستقطاب الحادة بين الأجهزة الأمنية ومؤسسة الجيش، وحسب ردود الفعل المعبر عنها مباشرة بعد تقديم أحمد أويحى لعناصر الدستور الجديد يمكن تلمس عناصر الجواب في أن مشروع الدستور لم ينجح في خلق أجواء سياسية جديدة في البلد ما يجعله محكوما بالفشل حتى قبل عرضه على مسطرة المصادقة. وعموما يمكن التأكيد على أن البناء الدستوري المقترح لا يحل أزمة النظام السياسي التي تتجلى في وجهبن بارزين أولهما السلطات الواسعة للرئيس المنتخب نظريا لكنه يبقى خاضعا للجيش عمليا ما يعني تحويل الشرعية الانتخابية إلي مسالك غير دستورية لاتخاذ القرار، وثانيهما أن المشكل في الجزائر وكما في باقي الدول النامية لا يكمن فقط في الوثيقة الدستورية ولكن في البيئة السياسية التي تتحكم في تطبيق الدستور وتأويله. وما لم يتم إصلاح الحياة السياسية الجزائرية، فإن كل مبادرة دستورية لن تكون غير محاولة لتهدئة عابرة لأزمة بنيوية يعاد معها إنتاج نفس النظام الذي يبسط فيه الجنرلات سيطرتهم على دولة الجزائريين ومجتمعهم وثرواتهم. تعقيب من السيد رئيس الحكومة أثارت فقرة وردت في عمود السبت الأحد حفيظة رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وكان قد جاء فيها «يعرف كثيرون، مع تستر كبير على التفاصيل، أن انتخابات نونبر التي قادت العدالة والتنمية إلى احتلال الرتبة الأولى كانت انتخابات متوافق حولها في سياق المعدالات والحسابات المعقدة لتدبير زوابع «الربيع العربي»، وكم من مرة صرح إلياس العماري أنه سيكشف الكثير من تفاصيل نلك التوافقات إن كشف عبد الإله ابن كيران جزءا منها» وفي اتصال هاتفي نفى لي عبد الإله ابن كيران أن يكون قد أبرم أي صفقة أو تفاوض حول نتائج أول اقتراع تشريعي بعد الدستور الجديد، وقال إن اطلب الوحيد الذي تقدم به في ذلكم الوقت هو تمتيع جامع المعتصم بالسراح المؤقت، أما ما قاله إلياس العماري، حسب ابن كيران، فلا زساس له من الصحة.