تسقط الرموز تباعا من شجرة الحياة. هي سنة الحياة نفسها. لكن بعدما غيب الموت عددا كبيرا من رموز الثقافة و الفن المغربيين الذين كانوا استثنائيين بحق، في من يمكن أن يجد شباب الغد رموزا يقتدي بها؟ هل سيكون الرمز هو الرابور الذي يشتم على لحن غربي واضعا في مقدمة إبداعه كلاما نابيا؟ هل هي المطربة التي تغني كلمات خليجية و ترقص في أغنية مصورة. هل هو السياسي الذي يتلعثم أمام الكاميرا ناطقا بالفرنسية و لا ينبس بنت شفة بالعربية. هل هم نجوم المليون كليك و ظواهر البودكاست الذين يصيرون بقدرة قادر نجوما للتلفزيون، سريعي الاكتشاف، سريعي الإندثار! لماذا لا نذهب نحو إكتشاف من يقدرون على تقديم فكرة جديدة، من يقدرون على مساءلة الهوية المغربية الحقيقية و ليست تلك " الهوية المغربية" التي وضعت فزاعة في دفاتر السيد وزير الإتصال التي تحملناها و تحملها التلفزيون معنا. و ما أن وضعت هاته العبارة بهدف تضييق الخناق على الإبداع الحر، حتى شاهدنا غزوا غريبا للتلفزيون من طرف إنتاجات فولكلورية تلبس شخوصها اللحي و القفاطين دون أن تكون مسكونة بروح "تامغرابيت" و " تامغرابيت" هي أن تلبس البدلة الأوروبية طيلة الأسبوع و تضع جلبابك المغربي و تتعطر بالمسك يوم الجمعة ذاهبا إلى المسجد للصلاة. تامغرابيت لا تحمل في امتدادها ألبسة أفغانية و لا أفكارا ظلامية. تامغرابيت علامة متفردة لعلمانية إستثنائية و مبتكرة، الدين فيها حاضر في علاقة العبد مع ربه لكنه منفصل عن إنشغالات الحياة، مع قدرة خارقة على الذوبان في الجماعة دون تباهي بالدين و على التكيف مع مواقف و أشخاص و مؤسسات عملية لا مجال فيها لفتاوي يوم الأحد أو هذيان منتصف الليل. على فنانينا الحقيقين أن يقاوموا تغييبهم من الساحة و أن يستمروا في إبداع سبل جديدة للحلم و على القنوات الرسمية أن تنفتح قليلا على فنانين غير نمطيين إستثنائيين في تعاملهم مع تامغرابيت و منخرطين حتى النخاع في الحداثة، فكفى أن يغرد في قنواتنا في البرايم تايم أصحاب الدارجة المستهجنة و اللبنانية المصطنعة و الخليجية المفتعلة، نريد أن نرى من يتغنون بزجل أحمد لمسيح، و هو في نظري بعد أحمد الطيب لعلج من يعيد للقصيدة الدارجة بهاءها إلى جانب مراد القادري و آخرون. نريد أن يقوم الإعلام بدوره للتسويق للثقافة و الفن و ألا يستعمل لغة من يخلق الحدث و الضجة بمفهوم الأنترنيت أي من يشغَل مواقع التواصل، معيارا للترويج. لا يمكن أن تصير بضع كليكات و "جيمات" زائلة مقياسا لا لقيمة التأثير و لا للقيمة الإبداعية للمبدع. و على التلفزيون كمرفق عام أن ينوع في ضيوفه و ألا يخاف في خلق رموز جديدة يتعلق بها الشباب لأن راية الوطن كرمز لقداسته تحتاج أن ترفرف عبر وجوه و أفكار. و لا يمكن صنع الفراغ بحجة أن رموز الوطن معروفة و أن الباقي هم مجرد فنانين و كفى. لننتصر للإبداع لننتصر للإستثناء و لنحارب النمطية. أيوب العياسي