علي الشعباني أستاذ علم الاجتماع بدأت المرأة العاملة في السنوات الأخيرة تتجه نحو تفضيل التخلي عن العمل، والجلوس في البيت للاهتمام بأبنائها والتخلص من المشاكل التي تصاحب عملها سواء منها المتعلقة بعلاقتها بأبنائها وزوجها أو تلك التي تصاحب العمل، اختيار له أسباب مختلفة ومتعددة سيشرحها لنا أستاذ علم الاجتماع علي الشعباني في الحوار التالي مبينا الانعكاسات الإيجابية لهذا القرار على تربية الأبناء والأسرة بكاملها. ما هي الأسباب التي تجعل بعض النساء العاملات يفضلن العودة إلى البيت بدل الاستمرار في العمل؟ مسألة تفضيل المرأة التخلي عن وظيفتها والعودة إلى البيت سبقتنا إليها الكثير من الدول الأوربية، يعني في الوقت الذي كانت تتلهف فيه المرأة العربية عموما والمغربية خصوصا للخروج للعمل، كانت هناك نساء في الدول الأوربية والولايات المتحدة وكندا سباقات لهذه المسألة، أي أن الكثير من النساء بهذه المجتمعات يطالبن بالعودة إلى البيت والتخلي عن العمل، خاصة عندما تلتزم المرأة بمسؤولية الأبناء والبيت والزوج، وتوفر المدخول المادي للزوج الذي يمكن أن يغطي مصاريف الأسرة بكاملها، وبذلك يمكن الاستغناء عن راتب الزوجة ومساعدتها المادية. لذلك تفضل المرأة العودة إلى البيت للاهتمام به وبالأبناء لأن التزام المرأة بمسؤولياتها المنزلية يعتبر عملا أيضا، خاصة بعد النتائج السلبية التي نتجت عن غياب الأم عن البيت وعن عدم رؤية أبنائها لها طوال اليوم سواء على المستوى التربوي والاجتماعي للأبناء، لذلك كانت هناك الكثير من الدراسات على المستوى السوسيولوجي والسيكولوجي التي استخلصت أن وجود المرأة في البيت له آثار إيجابية جدا على الأبناء من حيث التربية والتنشئة الاجتماعية والاهتمام بجميع أفراد الأسرة كما نادت فئة النساء الموظفات بالتخلي عن وظائفهن والعودة إلى البيت. في المجتمع المغربي بدأت تظهر بوادر هذا الأمر، لكننا لا يمكن أن نسميها ظاهرة لأن الحديث هنا سيكون على حالات فردية لم تتطور بعد لمستوى الظاهرة، هذه الحالات يرتبط تفضيلها التخلي عن العمل والعودة إلى البيت إما بالعامل الاقتصادي حيث تتوفر للزوج إمكانية توفير مدخول أحسن يغطي متطلبات الأسرة، ويضمن نفس الامتيازات والحقوق التي تتوفر عليها المرأة من خلال عملها. ما هي إيجابيات لتخلي المرأة عن عملها بالنسبة لأبنائها ولعلاقتها الزوجية التي تصبح مركز اهتمامها؟ يمكن الحديث عن هذه المسألة ليس دفاعا عن نمط أسري معين وإنما نجد أن وجود المرأة في البيت كانت له إيجابيات كثيرة جدا في السابق، لأن المرأة كانت تهتم بكل التفاصيل الدقيقة لكل فرد في البيت، وهذا الأمر انعكس بشكل إيجابي على توازن الأسرة التي يتحقق فيها التوازن بين العمل داخل البيت الذي تقوم به المرأة وخارج البيت الذي يكون من مسؤولية الرجل، لذلك لا يمكن إغفال الإيجابيات التي كانت تحققها المرأة التي تجلس في البيت لرعاية أبنائها وتلبية متطلباتهم، هذا الأمر لا يمكن أن نعتبره إكراها بالنسبة للمرأة وإنما عمل له نتائجه الإيجابية الكبيرة والمتعددة، لأن الأم في هذه الحالة تكون قريبة من أبنائها من خلال التقرب منهم بوجودها طيلة الوقت داخل البيت، والاهتمام بكل تفاصيله الدقيقة التي تزرع السعادة في كل ركن فيه، مع مراعاة متطلبات وحاجيات الزوج الذي يكد ويشتغل من أجل الأسرة. وعندما تغيب المرأة عن البيت تسقط الكثير من الأمور ويختل التوازن داخل الأسرة، وينعكس هذا الأمر بشكل سلبي على علاقة الزوجين وكذلك على الأبناء، الذين يحرمون من وجود عنصر إيجابي هو الأم داخل البيت، والكل يعرف سلبيات وجود خادمة مع الأبناء طوال الوقت، وغياب الأم لمدة طويلة عن بيتها وأبنائها والعواقب والمشاكل التي تنتج عن هذا الحرمان الطويل للأبناء من رؤية والدتهم المنشغلة بالعمل. كيف يمكن للمرأة أن توازن بين حياتها العملية والشخصية دون أن يؤثر جانب على الآخر؟ حديثنا ليس بمثابة دعوة للمرأة بالتخلي عن العمل خارج البيت لأنها تساهم أيضا في بناء المجتمع وتنميته، بفضل ذكائها وقدرتها على العمل وعلى العطاء لذلك يكون من الحيف حرمان المجتمع من هذه الطاقات، لكن قرار المرأة العودة إلى البيت، يجب أن يكون طوعيا واختياريا وليس إلزاميا، فالمرأة من حقها اختيار العمل الذي تعطي فيه أكثر، وترتاح في أدائه وتكون فيه راضية عن نفسها، ويضمن لها حرية الابتكار والعطاء أكثر، سواء داخل البيت أو خارجه، فإذا كانت المرأة ترى أن عملها خارج البيت يوفر لها هذه المواصفات فلها كامل الحق في الاستمرار فيه لأنها بذلك تقدم خدمة لوطنها ومجتمعها وتؤدي رسالتها على أكمل وجه، لكن إذا ما ارتأت أن عملها كله إكراهات ومشاكل وتجد الراحة في بيتها الذي تحس أنه في أمس الحاجة إليها، خاصة مع وجود ظروف إيجابية تضمن لها ظروف حياة أفضل، فإن هذا الأمر سيشجع المرأة على العودة إلى البيت حتى ترفع من قيمته، وتعيد التوازن إليه. حاورته مجيدة أبوالخيرات