في إحدى الحوارات التي أجريت مع زعيم بوديموس بابلو اغليسياس سأله الصحفي عن سبب نجاحه و صعوده السريع، و فشل اليسار التقليدي المقصود به الاشتراكي الموحد الاسباني الذي كان زعيم بوديموس بابلو اغليسياس عضو لجنته المركزية و خرج منه رفقة رفاقه لتأسيس حركته الجديدة، و الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني، أجاب بأن هؤلاء أشبه بسنفور غضبان "استلهم الشخصية من الرسوم المتحركة السنافر"، و هو السنفور الدائم الغضب الرافض لكل شيء، وأضاف بأن أحد أهم عناصر نجاح حركته هي قدرتها على تحفيز الاسبانيين، و بعث فيهم الروح بدل اغتياله بخطاب مشؤوم، سوداوي. الذي استمع لنبيلة منيب في برنامج 90 دقيقة للإقناع، سيكتشف بأن اليسار المغربي خاصة الرافع لشعار الخط الثالث، مع كل الحمولة الرمزية التي يحملها في إشارة لأرضية توني بلير التي اعتبرت في إبانها المخرج لأزمة الاشتراكية الديموقراطية عموما و لحزب العمال البريطاني، بأن هذا اليسار ينتمي لفصيلة ما أسماه بابلو اغليسياس بسنفور غضبان، فنبيلة منيب طيلة الحلقة تمترست وراء خطاب سوداوي خال من أي محفز لها و لمشروعها السياسي، يعتمد على لغة يسارية ماضوية، فيها تحميل مسؤولية الفشل للدولة، الفاعلين لم تستثني من ذلك حتى المجتمع ، و هي بذلك في الكثير من الأحيان تسقط في تناقض تام مع نفسها، و مع جوهر الفكرة التي حاولت ابرازها كحزب حاضن لحركة 20 فبراير، لكنها لم تجب على السؤال الجوهري لماذا شباب و جماهير حركة 20 فبراير لم يتفاعلوا مع حزبها و برنامجها السياسي مادام هو برنامج الحركة كما صرحت بذلك؟ أين يكمن الخلل؟ هل في الجماهير و نحن هنا نتحدث عن فئة طامحة و فاعلة في التغيير أم في الأداة التنظيمية التي نشرها الصراع الداخلي و التياراتي؟ خاصة و أن تجربة الاشتراكي الموحد و بوديموس قد تكون متقاربة في المنطلق لكنها مختلفة في النتائج، فهما معا احتضان حراك الشارع، لكن الأول لم يستطع ترجمة ذلك سياسيا و انتخابيا، الثاني استثمر الحراك و الشارع لصالح مشروعه و جعله القوة الثالثة في إسبانيا؟ نبيلة منيب قدمت جزءا من الجواب و هو يخفي نوعا من "الكسل" الفكري، عندما اختارت الحل السهل برمي كرة الثلج لدى النظام و جل الأحزاب السياسي و للمجتمع الغير واعي…، مع العلم أن هذا النظام هو نفسه الذي تفاعل مع الحراك المغربي و اختار التجاوب معه من خلال خطاب 9 مارس و القبول بإصلاح سياسي و دستوري شامل مجنبا المغرب الدخول في متاهات قد لا تحمد عقباها، و هو المجتمع نفسه الذي احتضن الحراك الشبابي خاصة في بداياته الأولى قبل أن يتم السطو عليه، و هو من خرج يوم 20 فبراير بشكل عفوي مطالبا بالتغيير و إسقاط الاستبداد السياسي، هل كان واعيا لحظتها و لم يعد كذلك عندما اختار مشاريع حزبية و سياسية اخرى؟ و هل الشعب الموجود بالسويسي الذي اعطى تسعة مقاعد للائحة الاشتراكي الموحد غير الشعب الذي أسقطها في الانتخابات و لم يوصلها للعتبة؟ أزمة اليسار طيلة أربعين سنة هي أزمة في جزء كبير منها ذاتية، ترجع بالأساس لكونه لم ينتج إطارات ديموقراطية حقيقية، بل كان تاريخه هو تاريخ الانشقاقات، و التآكل الداخلي و الذاتي، ولعل العودة لحالات الطرد الكثيرة التي تعرض لها بعض مناضلي الاشتراكي الموحد سواء بالشبيبة أو بقيادة الحزب لدليل على عدم قدرة احتواء هذا الخط الثالث لكل فاعليه، و اطره، و أنه عندما يتعلق الأمر باختلاف في التقدير أو في الموقف يكون الجواب هو الطرد، أو الانشقاق. أزمة اليسار أزمة ذاتية، منتجة للشعارات و ليس للبدائل، و لا يكفي القول بأننا خط ثالث فنكو كذلك بالفعل، فالخط الثالث اختيار فكري قبل أن يكون سياسي، هو متوقع إيديولوجي و نتاج مخاض تفكير مفكر فيه، يستند على التحليل الملموس للواقع الملموس، القادر على الخلق و الإبداع و هو ما جعل من توني بلير في أواسط التسعينيات يشكل فعلا خطا ثالثا و يكون ملهما للأحزاب الاشتراكية الديموقراطية، أما اعتبار شعار الملكية البرلمانية خطا ثالثاً، فهو خيار تقليدي و شعار سبق أن نم رفعه من قبل العديد من القوى السياسية حتى قبل ظهور حراك 20 فبراير بسنوات طويلة، فهذا الشعار لا يقدم الجديد، و لا يجعل من حامله يشكل استثناء سياسيا، بل ان الشعار في جزء منه قد تحقق بدستور فاتح يوليوز و الجزء الباقي منه، المغاربة مع الملكية، في الطريق نحو الوصول إليه و التأسيس له، و لا يمكن للتحولات الكبرى داخل الأنظمة السياسية أن تحدث بالصدمة، أو بالفجائية، يكفي فقط العودة للتحولات التاريخية التي عرفتها بلدان الملكيات البرلمانية سواء إسبانيا أو بريطانيا لنرى حجم المخاض الطويل الذي امتد لقرون حتى تم التوافق على طبيعة هذه الأنظمة السائدة في هذه البلدان. اليسار ليكون خطا ثالثا، عليه أن يتحول من سنفور غضبان إلى سنفور سعيد، حاملا لمشروع فيه الأمل ، محفزا لمستمعيه، باعثا للروح في المغاربة، لا سوداويا، طهرانيا، أصوليا.